من يفكر؟ من يقرر؟ من يقود المجتمع؟ تساؤلات دارت برأسى، وما زالت، ولم أجد لها إجابات على أى صعيد من الأصعدة. وهنا يجب التنويه إلى أن إدارة المجتمع تختلف عن إدارة الدولة، فالأولى يغلب عليها الطابع الأخلاقى والقيمى والمبادئى بينما يتحكم فى الثانية حزمة من القوانين والنظم والإجراءات. وفى تقديرى أن «إدارة الدولة» جزء من «إدارة المجتمع، فالدولة ودستورها وقوانينها ولوائحها ونظمها تعكس وتترجم -أو هكذا يجب- أخلاق وقيم ومبادئ المجتمع، فالدولة مرآة المجتمع، تأتمر بأوامره وتنتهى بنواهيه، والدولة قوتها تنبع من قوة المجتمع، وتحضُّرها من تحضُّره، فمن الطبيعى أن قوة المجتمع وطاقته تسرى بنفس القوة فى جسد الدولة، لكن فى أحيان كثيرة نجد تبايناً بين المجتمع والدولة، فهناك دولة أقوى من المجتمع، حيث ممارسة الديكتاتورية والقهر واحتكار العنف مع تغييب الوعى وتقاسم الفقر بين أفراد المجتمع، وهناك مجتمعات أقوى من الدولة وهذه المجتمعات لديها فائض موارد وإمكانات بشرية وثقافات ولم تجد المرآة العاكسة لهذه الأشياء، أى لا توجد الدولة التى تعكس إمكانات وتنوع هذا المجتمع، إذن فالصورة المثالية أو النموذجية هى التناغم والتساوى بين قوة المجتمع وقوة الدولة. والسؤال الآن وفى ضوء ما سبق: ماذا عن مصر؟ أيهما أقوى.. الدولة أم المجتمع؟ أم كلاهما انعكاس للآخر قوة وضعفاً؟ أنا شخصياً لا أعرف الإجابة، ولذلك أدعو النخب -إن كان لدينا نخب- للدراسة والإفادة، ثم فتح النقاش فيما بعد، فقط أتابع «إدارة أزمة الطائرة الروسية» كيف كانت إدارة الدولة لها؟ وكيف كانت إدارة المجتمع، فالدولة أدارت الأزمة وفق قواعد القانون والمصالح العليا بشكل دقيق، وكانت سلبيات إدارة الدولة تكمن فيما يسمى بـ«فخ التصريحات»، أما المجتمع فحين أدار الأزمة كانت الأزمة أزمات! فالأزمة أديرت دون وجود «كتالوج» ولم يكن هناك «صنايعية»، فتحولت المسألة إلى اجتهادات ومن ثم مبادرات غلب عليها الطابع الكوميدى، فأصبحت الكارثة كوارث والأزمة أزمات، كان أول خطأ تم ارتكابه بشكل جمعى هو «الإنكار التام أو الموت الزؤام». استبق الجميع التحقيقات وتوقفوا فى محطة «الإنكار»، ثانى خطأ جمعى كان فكرة السباق و«الإسهال المبادراتى» نحو تشجيع السياحة وإنقاذ شرم، وكانت أدواتهم الحفلات الغنائية والراقصة والتغطيات الإعلامية الممجوجة والسطحية، ثالث خطأ جمعى كان التخلى والتخلف عن تقديم «واجب العزاء والمواساة» بشكل شعبى جماهيرى إلى أصدقائنا الروس، الشعب الروسى جريح ومكلوم والرئيس بوتين يواجه ضغوطاً من الرأى العام، كان الروس ينتظرون عزاء ومواساة من الشعب المصرى، «نصباً تذكارياً» يقام مكان سقوط الطائرة ويذهب المصريون فى تظاهرات لإلقاء الزهور وإشعال الشموع تضامناً مع الأصدقاء فى مصابهم، لم يفعل المجتمع هذا، وفعل العكس تماماً، رئيس الوزراء أخطأ كذلك خطأ سياسياً حينما تحدّث فى المؤتمر الصحفى بخصوص الإعلان الروسى أن الكارثة بفعل عمل إرهابى حيث قال: «دفع تعويضات للضحايا غير وارد».. الروس لم يتحدثوا عن التعويضات ولم يتحدثوا عن السياحة، فقط كانوا ينتظرون مواساة ومشاركة من شعب عريق صاحب حضارة، لكن لا أحد يدرى ماذا حدث للمصريين!