أحلام «البسطاء» فى الحصول على «قطعة أرض»: أولها «فساد».. وآخرها خراب بيوت
أحلام «البسطاء» فى الحصول على «قطعة أرض»: أولها «فساد».. وآخرها خراب بيوت
محمود - خالد
«الغول، والعنقاء، والخل الوفى، وقطعة أرض بسعر مناسب للعائلة»، مستحيلات أربعة أصبح البسطاء من المصريين، لا سيما الشباب، يحفظونها عن ظهر قلب، قصص معاناة عديدة لمواطنين فى رحلة الحصول على قطعة أرض أو وحدة سكنية، غالباً ما تنتهى نهاية سوداء، سواء تحت وطأة «الخداع والنصب»، أو التقصير والإهمال والإجراءات الروتينية القاتلة.
«محمود» كسب قطعة أرض فى «القرعة» وخسرها على «الموقع الإلكترونى».. و«خالد» بعد محاولتين فاشلتين: «اللى يمشى صح مالهوش نصيب»
«خالد»، الشاب العشرينى بوصفه أحد الذين تقدموا للحجز فى مشروعات الإسكان بـ6 أكتوبر، توقفت حياته على إجراءات التسليم والتعقيدات التى لحقتها لبناء وحدة سكنية تكفل له حياة كريمة حين الزواج، لكن طموحاته على الأرجح ذهبت أدراج الرياح بعد تعرضه للخداع مرتين؛ الأولى وقت تسلم أرض مميزة ضمن جهاز 6 أكتوبر، والثانية عند ابتزازه لتسلم أرض أخرى بحى الوراق.. «بين نارين.. لا عارف أتجوز ولا قادر أشتكى»، هكذا أضحى حال الشاب «خالد» الذى يئس من محاولات البحث عن شقة كأى شاب يبدأ حياته يقول: «الإيجارات غالية، وأنا موظف بشركة مقاولات خاصة، عايش مع عيلتى فى الوراق أقل شقة إيجارها 800 جنيه»، الحل الذى راود الشاب العشرينى سريعاً بشراء أرض وتولى بناءها بنفسه، حتى لو كانت التكاليف أعلى: «ياريتنى ما فكرت فى الحل ده»، شهور بين الذهاب والإياب إلى جهاز 6 أكتوبر انتظاراً لإعلان نتيجة القرعة.. «دفعنا فى المتر 1800 جنيه من سنة تقريباً ورفضوا معاينة الأرض للتعرف على مدى صلاحيتها للبناء»، الصدمة الحقيقية التى واجهها «خالد» بعد تسلم الأرض التى حلم بها «صخرية ولا يمكن البناء عليها وغير صالحة»، استعادة تكاليف الأرض تتطلب منه التضحية بقيمة 25 ألف جنيه من سعرها وقت السداد، ينعى حاله: «اللى يمشى صح مالهوش نصيب». واقعة أخرى مشابهة لشاب آخر ثلاثينى ينتظر مولوده الأول «فى السكة»، فقرر أن يبحث عن وسيلة لتأمين مستقبله، لم يجد «محمود» الذى يعمل محاسباً، أفضل من تقديم اسمه بالقرعة العلنية السادسة لأراضى بنك الإسكان والتعمير، قطعة أرض فى منطقة السادس من أكتوبر هى «وسيلة تأمين المستقبل» الذى قرر أن يتركها «محمود» لابنه وابنته بعد عمر طويل، مقابل سعر زهيد مقارنة بالأسعار المتعارف عليها للأراضى، 3 أشهر مضت وما زال يترقب «محمود» الحصول على الأرض، رغم إعلان فوزه فى القرعة الرسمية للمتقدمين، لكن لم يعلن اسمه بعد موقع بنك الإسكان والتعمير وسط أسماء الفائزين التى أعلنها، فالنتيجة التى يحصل عليها «محمود» كلما أدخل رقمه القومى هى واحدة: «نتمنى لكم حظاً سعيداً».
ليسوا الشباب وحدهم المصابين، كبار السن كذلك، طالما أن طرفى الأزمة «مواطن بسيط» من جهة، و«قطعة أرض» أو «وحدة سكنية» من جهة أخرى، الرجل الخمسينى محمد الألفى، الذى يعمل بإحدى شركات الاتصالات، كان حريصاً ألا يقع فى أى مخالفة تعرضه للخطر، تحرى الدقة أثناء رحلته لشراء قطعة أرض سكنية، ذهب إلى المركز الذكى لخدمة المشروعات بالجيزة، ليتأكد من وجود ترخيص صادر لقطعة الأرض التى اختارها بمنطقة 6 أكتوبر، الأمر الذى أنقذه من مشكلة كانت ستؤرق حياته وحياة أسرته وتضيع أمواله، لكنه فى سبيل كل ذلك أمضى رحلة طويلة من الروتين الحكومى، والرشاوى حسنة الشكل، لكى ينهى مشواره بسلام، دون أن يتحقق مراده، فالأرض التى دفع فيها مبلغ 350 ألف جنيه لبناء عقار يجمع فيه أسرته وأبناءه، حصل عليها بعد «طلوع الروح»، لكن المرافق لم تصل لها بعد، وجولاته على الجهات المختلفة لا تجدى نفعاً برغم النفقات غير الرسمية التى يجبر عليها بحسبه: «الفساد فى كل حتة، ومفيش مكان أروحه عشان أدخل الميّه والكهربا إلا لما ألاقى الموظف مش موجود، أو ياخدوا منى الورق ويسيبونى بالشهور، وفى الآخر مفيش حاجة بتخلص إلا بالفلوس، وبتخلص ناقصة، علشان أروح تانى وأدفع تانى».
الإعلانات الوهمية واحدة من أشكال المعاناة التى يتعرض لها مصريون فى رحلاتهم للحصول على أرض أو شقة، إعلانات ملء السمع والبصر، تغرى بأثمان قليلة ومواقع مميزة وخدمات قادمة من عالم الأحلام، النصب عادة يبدأ من الإعلانات التى تأتى بمشاهد غير حقيقية لأرض ليست من الواقع، وشروط زائفة، مصطفى رأفت كان واحداً من هؤلاء، الرجل أراد شراء شقتين لزوجتيه وأبنائه الخمسة فى منطقة راقية، أغرته الإعلانات الكثيفة على التليفزيون والصحف عن وحدات سكنية بـ103 آلاف جنيه، يمكن تقسيطها: «رحت الشركة عشان أحجز ومعايا الإعلان قالولى الأرقام اللى بتتكلم عنها مش حقيقية، ارتفعت وممكن تستنى للمرحلة الجاية»، صدمة من الرجل الذى كان قد عقد الكثير من الآمال على الإعلانات جعلته يردد فى سره: «طيب بيكذبوا ليه؟ ويلعبوا على آمال الناس ليه؟ صحيح مفيش نصب فعلى ممكن إثباته بأوراق، لكن النصب قائم».
«قضا أخف من قضا»، هذا ما يمكن قوله حين تقارن تجربة «مصطفى» بتجربة منال موافى، السيدة البورسعيدية التى تعرضت ومعها مئات إلى النصب من جانب إحدى شركات التعمير العقارى الزائفة «القصة وما فيها إننا تعرضنا للنصب من جانب شركة، صاحبها أعلن عن مشروعات تحت الإنشاء لأبراج سكنية فى مناطق مختلفة، أكثر من 400 شخص تعاقدوا معاه ودفعوا مبالغ كبيرة مقدم حجز وأقساط، تقريبا 90 مليون جنيه، بعد فترة لم نر حفراً أو بناء، شعرنا بالقلق، واكتشفنا أنه نصاب، وأنه لا يوجد أرض أو مشاريع»، السيدة التى تعرضت للنصب، ومعها العشرات، نظموا وقفات احتجاجية وهرعوا إلى ساحات القضاء: «بندوّر بنفسنا وراه، وبنحاول نعرف ودّا الفلوس فين بعد ما خدها»، رحلة معاناة لم تكن تخطر لهم على بال أو خاطر.