فى السياسة.. يمكنك أن تناور.. أن تتجمل.. أن تصدح بالشعارات الجوفاء.. أما أن تكذب، فتلك جريمة يعاقب عليها القانون!
لا تندهش.. نعم الكذب من المسئول، مهما كان، يخضع لعقوبة قانونية وسياسية فى الدول «نصف المتقدمة» - تلاحظون أننى لم أعد أكتب أو أتحدث عن الدول المتقدمة - فالرئيس أو الوزير أو النائب البرلمانى الذى يكذب يدان بالخداع والتدليس على الشعب، الذى اختاره ومنحه ثقته.. والثقة لا تعيش مع الكذب.. والمسئول الذى يكذب مشكوك فى وطنيته.. لماذا؟ لأنه - بالكذب - يقدم مصلحته أو مصلحة الحزب والتيار الذى ينتمى إليه على مصلحة الأمة.. لذا فلابد أن يستقيل أو يقال.. وفى اليابان ينتحر!
لدينا ثلاثة من كبار كبار كبار المسئولين فى الدولة، قالوا كلاما متناقضا، ولم يحاسبهم أحد: الدكتور كمال الجنزورى، رئيس الوزراء، والدكتور سعد الكتاتنى، رئيس مجلس الشعب، واللواء محسن الفنجرى، عضو المجلس العسكرى.. الكتاتنى اتهم الجنزورى بأنه هدده بحل مجلس الشعب بحكم من «الدستورية».. والجنزورى أكد أن هذا لم يحدث.. والاثنان كانا فى لقاء سرى «مريب»!
حدث هذا قبل أيام.. وبعد أيام خرج الكتاتنى مؤكدا أن عضوا بالمجلس العسكرى أبلغه هاتفيا بـ«إجراء تعديل وزارى خلال يوم أو اثنين»، فانبرى اللواء الفنجرى قاطعا بأن هذا لم يحدث!
يقول علم المنطق: «لو اشترك ثلاثة فى سلوك ما على واقعتين، وكان بينهم طرف مشترك فى الواقعتين، يصبح احتمال وقوع الخطأ من الطرف المشترك ضعف الطرفين الآخرين»، معنى ذلك أن د.الكتاتنى - باعتباره طرفا فى واقعة الجنزورى، وكذلك واقعة الفنجرى - يحصل على 50? من احتمال عدم قول الحقيقة، ويحصل كل من الجنرورى والفنجرى على 25?!
هكذا.. يقول علم المنطق.. وسواء فهمنا معا هذه المعادلة أم استعصت علينا.. فإن المواطن يقف حائرا وضائعا أمام ثلاثة مسئولين يكذب عليه أحدهم، أو اثنان منهم، أى إن 33? من رأس السلطة التشريعية كاذبة، أو 66? من رأس السلطة التنفيذية كاذبة!
لن أدخل فى حساب «الكدّاب» عند الله عز وجل.. لن أقول لهم ما تقوله أنت لابنك وابنتك «الكداب بيروح النار.. ربنا بيشويه على سيخ محمى فى جهنم».. وإنما سأذكّر «الجنزورى» بشكواه على مدى سنوات طويلة من «كذب وتدليس نظام مبارك»، وسأذكّر «الكتاتنى» بأن شقيقة زوجتى وزوجها «إخوان»، كانا ولا يزالان يقسمان لى «الإخوان لا يكذبون»، وسأذكّر اللواء الفنجرى بأن شرف العسكرية لا يستوى مع «الكذب»!
ولأن أحدا لم يحقق ليكشف لنا الحقيقة.. فإننى أربأ بالثلاثة عن الكذب.. أما أنت عزيزى القارئ فاقرأ المقال واعتبرنى أنا «الكاذب»!