«ماكبث» يقتل الملك و«ميرزا» يحمل رسالة إلى ملك آخر، ولا عزاء لمصر فى الأوسكار ولا فى السينما من أبوابها أو شبابيكها. صور متقاطعة عند مفترق الطرق تتجلى وتصبح عناوين لحكايات. يظل «شكسبير» الكتاب المقدس للدراما فى العالم، لكن هو ذاته كتب «ماكبث» تحت وصاية ملك إنجلترا جيمس الأول (من سلالة القائد الأسكتلندى بانكو، من الشخصيات الرئيسية فى المسرحية) وحين نغض النظر عن مصادره التاريخية وكيفية تخيله لصور الساحرات والجن ككائنات مشوهة أو شبحية، فإننا لا يمكن ألا نلحظ غواية «ماكبث» للسينما تستدرجها وترخى ظلالها على الشاشة ثم تنسج خيوط تراجيديا الجنون: دم وقتل وسحر، كلها متشابكة من قدر إلى قدر فى دوائر تسلم بعضها لبعض، وأحدثها الفيلم البريطانى الذى أخرجه الأسترالى جستن كرزل. ماكبث الفيلم كما النص الأصلى لشكسبير يتحول من مقاتل إلى شرير يهجس بنوازع الشر التى تدفعه من جريمة إلى أخرى بنبوءة وعدته بالملك أو بتحريض من زوجته الجميلة والمصعوقة بشهوة العرش، وإن كان الفيلم حاول أن يمنح «ليدى ماكبث» ملمحاً إنسانياً غير التى ظهرت عليه فى المسرحية الأقصر لشكسبير والأكثر دموية، كامرأة ليست شريرة ومتعطشة للسلطة وإنما تحاول إشعال جذوة الاتصال مع زوجها العائد منطفئاً من الحرب، فإنه كما انتزع شكسبير الخير والرحمة من ماكبث وزوجته وحولهما إلى شخصيات مطلقة فى شرها، فإن الفيلم مسّه الانبهار بالشكل، الديكور والملابس وأماكن التصوير واستدعاء التاريخ بلا حنين أو مهارة، فضلاً عن الأداء التمثيلى العادى والإيقاع الممل، ما يجعلنى أندهش من قوائم بعض المواقع السينمائية التى وضعته ضمن أحسن الأفلام لهذا العام. ومن «ماكبث» النبيل قاتل ملكه إلى «ميرزا» العجوز الميّت فى المملكة، كما فى الفيلم الكردى «رسالة إلى الملك» للمخرج هشام زمان، الحائز على العديد من الجوائز، عُرض مؤخراً فى مهرجان قرطاج السينمائى ومهرجان الفيلم الأوروبى بالقاهرة، «ميرزا» واحد من لاجئين خمسة يتجهون إلى أوسلو عاصمة المملكة النرويجية، يحمل على كتفه سنواته الثلاث والثمانين تشهق بالوجع ورسالة توقظ الماضى وتروى حكايات كردية لمن لم يجدوا بديلاً لدرب الشتات، ترنو الحكايات من بعضها كأنها ثقب فى جدار الزمن ولا فرصة أو أمل فى ترميمها، فلا هامش للاجئين المتعبين غير العودة لأوتوبيس الإغاثة الذى أقلهم إلى أوسلو فى يوم شتوى شاحب بخطى منكسرة ونهايات غير سعيدة لقصصهم، أما «ميرزا» فيموت على المقعد الخشبى أمام قصر الملك وهو يبكى ويحكى قصصه عن الحب والفقد والهجرة، بينما رسالته تطير فى الهواء كمجرد ورقة تُنسى كأنها لم تكن. منذ متى تخطفنى ورقة إلى الطرق الوعرة؟ الأردن، مملكة أخرى يحمل اسمها فيلم إلى سماء الأوسكار، «ذيب» إخراج ناجى أبونوار الذى اختير ضمن اللائحة القصيرة للأفلام المتنافسة على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى، فيلم مدهش ومحاولة جدية لبلورة صورة سينمائية معنية بموضوعها شكلاً ومضموناً، بينما عبثاً أن يطرح السؤال مرة أخرى عن وصول السينما المصرية إلى ضفاف الأوسكار أو غيره من الجوائز الكبرى، لأن من يطرح هذا السؤال فهو لا يُقدر حال سينما ترقص على حافة الهاوية بأفلام «زيد وعبيد» التى لا تقدم صنيعاً بصرياً ينحسر عنه حالة مختلفة عن السائد، لكن هذا يحتاج إلى قدرات غير عادية حسب عنوان الفيلم الأحدث لداود عبدالسيد، الذى ما إن ضاقت حلقات السينما فُرجت واتسعت بفيلم له أو لمحمد خان أو «نوارة» المخرجة هالة خليل، واحدة من تلاميذهما الصادقين. منذ متى انتهيت من الأسئلة العبثية؟