شاركت فى جلسة التصويت على مواد مشروع الدستور الجديد، وكنت أتمنى أن أجد فى ذات الجلسة كل من شارك منذ بداية الجمعية التأسيسية اجتماعاتها وأخص بالذكر الدكتور أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة، الذى كان وكيلاً للجمعية، وساهم بشكل واضح فى صياغة الكثير من مواد مشروع الدستور، بالإضافة إلى كونه مناضلاً سياسياً واجه ظلم النظام السابق الذى ألقى به فى غياهب السجون سنين عدداً.
وكنت أتمنى أن يشارك أيضاً فى هذه الجلسة ممثلو الكنائس المصرية؛ الأنبا بولا، أسقف طنطا، وممثل الكنيسة الأرثوذكسية، والأب يوحنا قولتة، وكيل البطريركية الكاثوليكية والقس صموئيل حبيب، رئيس الطائفة الإنجيلية، فقد ساهم كل منهم بآراء صائبة تضمنها مشروع الدستور، وقد كنت عضواً بلجنة الحقوق والواجبات مع الأب يوحنا وأذكر من إبداعاته جهده فى المادة رقم 31، التى نصت على أن الكرامة حق لكل إنسان. ومع هؤلاء كنت أتمنى مشاركة المستشار إدوارد ذهبى، الذى كان رئيساً للجنة، وأفسح لى المجال لأساهم فى المادة رقم 36، التى تتناول حق من يُقبض عليه بعد أن علم بالمرات الأربع التى حُبست فيها ظلماً وعدواناً.
وعندما ذهب أعضاء الجمعية التأسيسية، برئاسة المستشار الجليل حسام الغريانى، لتقديم مشروع الدستور إلى السيد رئيس الجمهورية كنت أود أن أرى بين صفوف المدعوين كل رؤساء الأحزاب وقادة القوى السياسية، وكنت أتمنى أن أرى البابا تواضروس الثانى يجلس بجوار فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر وقد تم توجيه الدعوة لكليهما، فحضر الإمام الأكبر وغاب البطريرك متخذاً موقفاً سياسياً كنت أتمنى أن تنأى الكنيسة عنه. ولو حضر لأرسل رسالة واضحة إلى أقباط مصر مفادها أن الدور الأساسى للكنيسة هو التربية الروحية، أما ممارسة السياسة فمكانها الأحزاب والقوى السياسية، وهذا ما فهمته من حضور الإمام الأكبر؛ لأن الأزهر معهد دعوة وتعليم وليس مكان تنافس سياسى.
وكنت أتمنى أن يتمهل السيد رئيس الجمهورية بعض الوقت قبل أن يعرض مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبى ليعطى مهلة لأصحاب المبادرات الذين يسعون إلى وفاق بدا بعيداً لكن الأمل لم ينقطع فى الوصول إليه، والمهلة على أى حال مفيدة لمؤيدى الرئيس ومعارضيه، فالمؤيدون سوف يظهرون حينها وقد فتحوا قلوبهم وعقولهم للرأى الآخر، والمعارضون ستكون لهم فرصة للحوار عسى أن ترى بعض اقتراحاتهم الطريقة إلى التفعيل.
لقد تابعت المظاهرات المعارضة والمؤيدة لرئيس الجمهورية، ولو لجأ قادة كل فريق إلى تشكيل جبهة للحكماء منهم، ثم يلتقى حكماء الفريقين لمحاولة الوصول إلى حد أدنى من التفاهم، فإن نجحوا فى ذلك فقد حققوا المقصود وإن لم يوفقوا فقد أرثوا سلوكاً عقلانياً يمكن أن يتطور فى المستقبل ليكون بديلاً عن حوارات التظاهرات المليونية، التى غالباً ما تكون مشحونة بالغضب والهتافات غير المنضبطة التى تفرق ولا تجمع.
كنت أتمنى ذلك كله لكنى لست منفصلاً عن الواقع الذى أحدثه طول الفترة الانتقالية، لكنى ما زلت أتمنى وفى ذات الوقت مستحضراً قول الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن
لكن لى أمنية أخيرة أن تتمكن سفينة الوطن من التغلب على الرياح كلها.