لم تكن المحكمة الدستورية العليا مسئولة عن القوانين التى حكمت بعدم دستوريتها، وبعبارة أخرى فإن المسئول عن عدم دستورية القوانين هم هؤلاء الذين وضعوا تلك القوانين المعيبة بفكرهم القانونى السقيم، الذى لم يدرك مدى الهزل الذى وقعت فيه القوانين التى وضعوها، ولم تكن أحكام المحكمة الدستورية العليا إلا كاشفة بحق لهذا البطلان القانونى، فلا تلوموا المحكمة الدستورية بل لوموا أنفسكم.
وقد قضت المحكمة الدستورية ببطلان القانون الذى تم انتخاب مجلس الشعب فى ظل أحكامه، وقضت أيضاً ببطلان ما سُمى بقانون العزل الذى وضعه مجلس الشعب المنحل.
وبالنسبة للقانون الأول، أذكر الثائرين على حكم المحكمة ببطلان القانون الذى انتخب على أساسه مجلس الشعب بأننا قد حذرنا من هذا البطلان وبُحّت أصوات أساتذة القانون من التحذير من هذا البطلان للأوجه التى قضت بها محكمتنا العليا.
وفى حلقة من برنامج «محطة مصر» للإعلامى معتز مطر كان الدكتور محمد سعد الكتاتنى وأنا ضيفين عليه -وطبعاً الحلقة موجودة على المواقع الإلكترونية لمن يريد الرجوع إليها- وكانت الحلقة قبل انتخابات مجلس الشعب، وقلت فى الحلقة إننى لن أخوض انتخابات مجلس الشعب فى ظل هذا القانون، والغريب أن الدكتور الكتاتنى قد وافقنى على هذا الرأى، وكان القانون لم يصدر بعد ولكنه كان على وشك الصدور بهذا العوار المتمثل فى إهدار مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص.
وحين قررت على الهواء عدم خوضى الانتخابات فى ظل هذا القانون قال لى الدكتور سعد الكتاتنى -لإثنائى عن القرار-: «القانون لسه مصدرش يا علاء»، مع تأييده لاعتراضاتى.
إذن كان الجميع بمن فيهم الدكتور محمد سعد الكتاتنى، الذى ترأس فيما بعد مجلس الشعب، يعلم ببطلان هذا القانون، وطبعاً يعلمون بالجزاء الحتمى على هذا البطلان وهو أن يكون المجلس باطلاً منذ انتخابه.
والمثير للأسى والحزن أن يصب هؤلاء جام غضبهم على المحكمة الدستورية العليا ويتهمونها بالتآمر على كل مؤسسات الدولة، والحقيقة أن المحكمة الدستورية العليا كانت -فقط- قد كشفت عن خيبة هؤلاء الذين وضعوا القانون والذين لهثوا بسرعة مريبة لخوض الانتخابات فى ظل هذا القانون، بل وباركوا إصداره بل ووقعوا فى المجلس العسكرى على موافقتهم على هذا القانون مع علمهم ببطلانه.
والحكم الثانى للمحكمة الدستورية كان ببطلان ما سمى بقانون العزل السياسى الذى أصدره مجلس الشعب المنحل، وقد كان العوار فى هذا القانون واضحا وضوحاً يخرق عين أى مكابر، فقد حرم -بالخلاف للدستور- فئة من المواطنين من حقوقهم السياسية دون ثبوت أى إدانة لهم تحرمهم من هذه الحقوق وفقاً للقانون، كما أنه جاء مفصلاً على حرمان أشخاص بعينهم كادوا أن يذكروهم بالاسم فى هذا القانون، وقد أعيتنا الحيل وصرخنا فى عدة برامج بأنه لا يجوز أن يصدر مجلس الشعب قانوناً مفصلاً على أفراد بعينهم، ولم يستمع إلينا أحد، وحين قضت المحكمة الدستورية -بحق- ببطلان هذا القانون وكشفت عورة من وضعوه، قامت الدنيا على المحكمة ونسوا أنهم هم الذين صاغوا هذا القانون، وبدلاً من أن يخجلوا من خيبتهم راحوا يكيلون الاتهامات لمحكمتنا العليا.
ولما كان هذا القانون وما يماثله مستقبلاً مخالفاً لأحكام أى دستور محترم، فقد رأى واضعو مسودة الدستور -وبالمكايدة فى المحكمة الدستورية- أن «يدستروا» هذا الخطأ الجسيم وأن يقننوه فى الدستور ذاته، حتى لا يحكم بعدم دستوريته، بل إنهم قد عزلوا من قد ينافسونهم فى الانتخابات بالدستور، فنجد المادة 232 من مشروعهم لإعداد الدستور تنص على أنه «تمتنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. ويقصد بالقيادات كل من كان فى الخامس والعشرين من يناير 2011 عضواً بالأمانة العامة للحزب الوطنى المنحل أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى، أو كان عضواً بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة».
ويلاحظ على هذا النص أنه قد نهج ذات مبدأ التفصيل الذى انتهجه قانون العزل المقضى ببطلانه، فوضع تاريخ الخامس والعشرين من يناير 2011 لم يكن إلا لاستثناء فضيلة شيخ الجامع الأزهر الذى كان عضواً فى المكتب السياسى للحزب الوطنى ولكنه استقال بعد تعيينه شيخاً للأزهر وقبل تاريخ 25 يناير، ويلاحظ أيضاً أن هذا النص الدستورى قد أخرج من كانوا وزراء فى حكومات الحزب الوطنى أو محافظين، لأن الحكومة الحالية تضم وزراء ممن كانوا فى خدمة الدولة تحت راية الحزب الوطنى، وبالطبع فأنا لا أدافع هنا عن أعضاء الحزب الوطنى فخلافى معهم غير خافٍ على أحد، ولكننى أدافع عن الشرعية وعن حقوق دستورية لا يمكن نزعها عن مواطن مصرى دون إدانة أو عقوبة ولمجرد انتمائه السابق للحزب الوطنى. وأذكر أصدقائى من الإخوان المسلمين ومن قيادات حزب الحرية والعدالة -الذين يحكمون الآن- أننى كنت من أكبر المدافعين عنهم حين كانوا مستضعفين فى الأرض، وتحملت فى سبيل ذلك ما يعلمونه هم قبل غيرهم.
وزيادة فى الكيد للمحكمة الدستورية العليا ولقصف أجنحتها، أورد واضعو مشروعهم المادة 176 التى قلصت عدد المستشارين بالمحكمة الدستورية العليا من تسعة عشر قاضياً إلى أحد عشر قاضياً، حتى يستبعد منهم ثمانية قضاة أجلاء توهم واضعو هذه المسودة أنهم مناهضون لهم وعلى خلاف سياسى معهم، فإقحام دستور البلاد فى خلافات -وإن كانت موجودة فرضاً- أمر لا يليق بالمشرع الدستورى بل إنه أمر يثير الغثيان.