«محمود»: باشتغل بعد المدرسة بـ«يومية 15 جنيه» وبروَّح تعبان وجسمى واجعنى.. و«محمد»: كان نفسى أكمِّل تعليمى.. بس ما باليد حيلة
«محمود»: باشتغل بعد المدرسة بـ«يومية 15 جنيه» وبروَّح تعبان وجسمى واجعنى.. و«محمد»: كان نفسى أكمِّل تعليمى.. بس ما باليد حيلة
أطفال الفيوم يعملون كتراحيل فى الأراضى الزراعية
تبدأ رحلة العمل قبل طلوع الشمس، رجال وشباب وأطفال، يجتمعون على طريق «الفيوم - بنى سويف»، يغطون وجوههم بقطع من الصوف الرثة، فى محاولة للاحتماء من قسوة البرد، تحضر العربات، على متنها أقفاص فارغة، يهمون مسرعين للركوب، العربة الواحدة تحمل أكثر من 40 شخصاً، يختبئون فى بعضهم البعض، أثناء رحلتهم التى تمتد لمسافات طويلة، من بينهم أطفال صغار، أجسادهم هزيلة، يرتدون ملابس لا تحميهم من قسوة الطقس، يخرجون من حدود محافظة الفيوم، ثم يتوقفون عند إحدى عربات الطعام، ليشتروا الفول والطعمية والجرجير والخبز، طعام يكفيهم بقية اليوم.
رحلة مع عمال «التراحيل»: أطفال ورجال.. والأكل طعمية وجرجير.. والشغل من قبل الفجر حتى آخر النهار
وفى إحدى الأراضى الزراعية، تلقيهم السيارات، يجتمع أكثر من 20 طفلاً، أجسادهم ضعيفة، يحملون الفئوس، سرعان ما يتصببون عرقاً، وتحمرّ وجوههم ربما بفعل المجهود الذى بذلوه منذ ساعات الصباح الأولى، وحتى بعد الظهيرة، يتوقف أحدهم للحظات قليلة، فى محاولة شد ظهره، فيأتى المشرف عليهم، يضربه ويوبخه بقسوة، فيعود مرة أخرى للعمل.
محمود جمعة عبدالجايد، طفل عمره 14 سنة، قصير القامة، ضعيف البنية، تغطى وجهه ندوب صغيرة يقول: «أنا من قرية البشوات فى الفيوم، عندى 5 إخوات، كلهم بيشتغلوا باليومية»، يقول إنه لا يزال يدرس فى الصف الثالث الإعدادى، ويخرج للعمل فى الزراعة، يومى الجمعة والسبت، لمدة 16 ساعة كل يوم، أما بقية الأيام، فيعمل لمدة 6 ساعات فقط بعد فترة الدراسة.
الأطفال: «بعد الشغل مبنقدرش نفرد ضهرنا ومش من حقنا ناخد راحة.. وبنعانى ضيق الحال»
يقول «محمود» إن أسرته تعانى من ضيق الحال، ولذلك فأمه دفعته للعمل، للحصول على يومية لا تتجاوز الـ25 جنيهاً، نظير العمل ليوم كامل، أما نظير العمل لـ6 ساعات، لا تتجاوز الـ15 جنيهاً، مضيفاً أن أشقاءه الأكبر منه سناً، يعملون فى مصانع بلاط، ومزارع فى وادى النطرون باليومية، ولا يتكفلون بأى مصاريف للبيت، نظراً لكونهم متزوجين ويعولون أطفالهم.
«بروح المدرسة تعبان وجسمى واجعنى»، هكذا يصف «محمود» يومه الدراسى بعد يوم عمل شاق قضاه فى الأرض، ويكمل قائلاً إنه لا يجد أى فرصة لمراجعة دروسه، ويعانى هو ومعظم زملائه من ضعف التحصيل الدراسى، وغالباً لن يتمكن من البقاء فى المدرسة، حيث سيضطر لترك التعليم، على حد قوله. ملامح يغلب عليها الحزن، تغطى وجهه كدمات، جسم ضعيف منهك، وأكتاف محنية، يجلس الطفل محمد رجب، 12 سنة، يقاوم دموعه قائلاً إنه فقد أباه منذ شهر، ويضطر للتغيب من المدرسة، حتى يسدد الأموال التى اقترضتها أمه من الجيران، مؤكداً أن يوميته لا تتجاوز الـ25 جنيهاً، بينما يحصل الوسيط، الذى يحضر الأطفال ويوصلهم بواسطة التروسيكل، على 5 جنيهات من كل طفل، حيث يقف أكثر من 10 أطفال على العربة المربوطة بالتروسيكل، بينما يتحرك بهم السائق على الطريق السريع، ولا يتمكنون من الجلوس فى أماكنهم بسبب ضيق مكان الركوب.
%24 نسبة البطالة بين المواطنين البالغين فى المحافظة وفقاً للموقع الرسمى لمحافظة الفيوم.
يقول «محمد» إنه يتحمل العمل لأكثر من 10 ساعات يومياً، حتى يساند أمه وشقيقتيه فى مصاريف البيت، وبصوت يشوبه البكاء يقول: «كان نفسى أكمِّل فى المدرسة وأدخل الجامعة، اضطريت أغيب من المدرسة إمبارح علشان أمى كانت مستلفة 20 جنيه من جارتها».
يصف «محمد» المعاملة السيئة التى يتلقاها من المشرف عليه، والتى تشبه العمل فى السخرة، حيث لا يكون مسموحاً له بالوقوف ولو لدقائق قليلة، وأن يبقى ظهره محنياً بالساعات، من أجل حرث الأرض بالفأس، يصف الآلام التى يشعر بها فى ظهره ورأسه، وكافة أنحاء جسده، واصفاً ساعات اليوم بأنها تمر بطيئة ولا تحتمل. يهرول «محمد» واقفاً دون أن يختم حديثه، بعدما سمع صوت المشرف ينادى عليه، يمسك الفأس، ويقوم بأعمال الحرث، ولا يرفع رأسه عن الأرض.