تعودنا فى الحركة الحقوقية أمام الأحداث المقلقة، والتى من الممكن أن تكون بها انتهاكات لحقوق الإنسان أن نرصد ما يحدث من خلال غرفة عمليات تقوم بالمتابعة والرصد والتوثيق وتقديم الدعم القانونى والحقوقى.
وأول غرفة عمليات شاركتُ بها فى حياتى كانت متابعة الانتخابات البرلمانية 1995، فى وقت كانت فيه كلمة «مراقبة انتخابات» كفيلة بدخول المعتقل أو السجن لوقت طويل، وتوزع زملائى على الدوائر المتوقع أن تكون ساخنة فى مصر كلها، وكان من نصيبى المتابعة من داخل غرفة العمليات، وهى ميزة كبرى، فرغم الحدود المكانية للغرفة، إلا أن الرؤية تكون من الاتساع لتشمل مصر كلها، حيث تصب جميع المعلومات وتتكشف كل الحقائق والصور، وقد تلقيتُ بلاغات آنذاك حول انتهاكات جسيمة فى دوائر قيادات الإخوان المسلمين، تمثل فى المنع من التصويت والقبض على بعض القيادات، دافعنا بقوة عن حق الإخوان فى العمل العام وتعرضنا لهجوم نظام مبارك لدفاعنا عما أسموه «الإرهابيين»، ما إن تغيرت الخريطة السياسية حتى تغيرت الوجوه وسقطت الأقنعة، ولكن ما لم يتغير هو منهجنا فى الرصد الميدانى، ومن داخل غرفة العمليات، هذه المرة فى 5 ديسمبر 2012 (21 محرم 1434) نرصد ما لم نرصده أبداً على أى مستوى، سواء فى عصر مبارك أو المجلس العسكرى، هذه المرة تعرض خمسة من المصريين لقتل غير رحيم من أنصار رئيس منتخب بعد ثورة سلمية علّمت العالم معنى الحرية.
ما تلقيناه من بلاغات حول حصار الشباب والشابات حول الاتحادية، أو خطف شاب بواسطة مجموعة كبيرة من الغاصبين وسحله وترويعه بأصوات مفزعة وسباب مروّع، هذا الترويع الذى يخلع قلب الشاب الفريسة وكأنه وقع فى يد أعداء قساة القلب من دول أخرى، حالة ترويع تقتل الضحية نفسياً قبل القتل الجسدى، قتل غير رحيم من أبناء وطن واحد، جمعهم حلم واحد وميدان واحد، بلاغات أخرى حول ملاحقة الجرحى الذين فتحت المحلات أبوابها لهم، واستهداف كسر عظام الثوار لإعاقتهم جزاءً لتجرؤهم على التعبير السلمى عن رأيهم لرئيس دعموه سابقاً، أو عقاباً لتصديقهم له عندما قال إذا أخطأت قومونى، أو جزاءً على ثقتهم فى رئيس منتخب بعد ثورة أخرجته من السجن وبدلاً من أن يكون كسيدنا يوسف الذى أنقذ مصر من المجاعة وعبّر بها إلى الرخاء، يكون طائر النار الذى يحرق الأخضر قبل اليابس.
فى غرف عمليات كثيرة شاركت بها لم أتلقَ مثل هذه البلاغات إلا فى نهاية التسعينات عندما انتهجت إسرائيل سياسة ما أسمته «تكسير العظام»، وبفضل أصدقائنا النشطاء فى فلسطين استطعنا توثيق هذه الانتهاكات، وكانت فضيحة عالمية مدوية عانت منها إسرائيل كثيراً، وبفضل النشطاء المصريين والإعلاميين المحترمين لن تمر جريمة «الاتحادية»، لأن هذا بالضبط ما أنشئت من أجله المحكمة الجنائية الدولية.
وسيسجل التاريخ أن بعض مَن يقولون إنهم إسلاميون لا يعرفون أن «المحرم» من الأشهر الحُرم، ولم يعلموا عن آداب الاختلاف مع أبناء الوطن شيئاً أو حتى آداب الحرب مع الأعداء التى أوصانا بها رسولنا الكريم، حينما قال «لا تُروعوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مثمراً ولا تُخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل، ولا تُغرقوا نحلاً ولا تحرقوه».