سنوات خمس مرت على أيام لن تنساها مصر.. «25 يناير» الذى أصاب شخصية مصر بالفصام ما بين حدث تاريخى استثنائى عبّرت عنه جماهير مطالبة بالتغيير وحققت نتائج ثورية فأسقطت الحكم والدستور، وبين مشروع مصاحب لها يمثل أبشع مؤامرة تعرضت لها مصر فى تاريخها الحديث. فى يوم وليلة تكالب أعداء مصر عليها من كل بقاع الأرض؛ عناصر حماس وحزب الله يقتحمون السجون بمعاونة الإخوان، قطر تكسر فى مفاصل الدولة، أمريكا تتجرأ كثيراً على سيادة القرار المصرى، إثيوبيا تبدأ بناء سد النهضة.. هذا المشروع الذى كان يهدف ويستهدف إسقاط المؤسسات مع إسقاط الحكم. هذا الفصام بين الشخصية والحدث وارتباطهما بالتاريخ نفسه هو الذى يجعل الأوراق مختلطة لدى الكثيرين، فهذا يقول ثورة، وهذا يقول مؤامرة.. وواقع الأمر أننا عشنا كليهما، الثورة والمؤامرة فى الحدث والمشروع. وبين مشاهد قاسية كثيرة على كل نفس وطنية كان مشهد وجود إسرائيل فى ميدان التحرير، عندما ظنت أن الدولة المصرية قد ركعت وأنها وصلت إلى حالة من الضعف شجعت الموساد الإسرائيلى على أن يتخلى عن أسلوبه التقليدى باللعب من خلال عملاء مجندين إلى الدفع بأحد أبنائه إلى ميدان التحرير فى سابقة هى الأولى فى تاريخ الحرب الصامتة بين القاهرة وتل أبيب.. فعلتها إسرائيل ودفعت بـ«إيلان جرابيل» إلى التحرير، وكان من بين النشطاء ومع الثوار على مقاهى وسط البلد وداخل مسجد عمر مكرم بينما كان التليفزيون الإسرائيلى ينقل من خلال مراسله بثاً مباشراً من الميدان، يتحدث المراسل مع الناس بالإنجليزية ثم يوجه نفسه أمام الكاميرا ليخاطب جمهوره بالعبرية.. فى لحظة عار لم تحدث حتى بعد نكسة 67، ولكنها حدثت على أرضنا. ولكن فى 12 يونيو 2011 كانت الصفعة المصرية على مانشيتات الصحف بالقبض على رجل الموساد بتفاصيل القضية كاملة بالصور. كانت رسالة للخارج وللموساد بأن حكماً فى مصر قد يسقط، أما الدولة فى مصر فلم تركع ولن تركع وقادرة وفاعلة.. فعلها رجال المخابرات العامة، وكان فى الرسالة زئير لوطن جريح.. أصابه المرض، ولكنه سيتعافى، وتعافى، وقام بعنفوانه شعب ودولة فى ثورة يونيو العظيمة، تلك الملحمة الوطنية الإنسانية التى سيتوقف أمامها تاريخ هذا الإقليم عندما تمكن هذا الشعب وقواته المسلحة ومؤسساته من المضىّ بثقة عكس كل اتجاه ليفسد كل المخططات التى كانت تدبّر فى الخفاء ثم أصبحت على عينك يا تاجر بعد 25 يناير.. وضعوا لمصر نموذجاً لإسقاطها فصنعت هى نموذج إسقاط مخططهم، وهذه هى عبقرية مصر. السنوات الخمس فيها من الدروس الكثير ولكن يبقى الدرس الأغلى هو معنى «الوطن»، قد نختلف فيما بيننا حول الأهداف والرؤى، لكن عند «الوطن» الخلاف خيانة.. مصر ليست وجهة نظر. أفرزت السنوات الخمس طريق الحلم الثورى البعيد عن الواقع، وعبّرت القوى التقليدية عن واقعيتها زاهدة فى أحلام قد تلعب فى مصيرها.. اليوم نحن نحتاج إلى الطريق الثالث الذى يدرك فيه الثورى حقائق الأمور وتتمسك فيه القوى التقليدية بأحلام الوطن.. طريق الدولة الوطنية المصرية التى تلقت ضربة كانت تحتاجها لكى تستفيق من غفلتها وتعود إلى عالمها بمعادلات هذا الزمن. أثق فى بلدى.. وأعرف إلى أين يمضى.. ستجلس مصر على عرشها الإقليمى وطناً قوياً وأمة عظيمة.. وسيبقى ميدان التحرير وكل حبة تراب على أرض مصر محرمة على إسرائيل.. العدو الدائم.