تلك هى الحقيقة دون تزييف.. دون زيادة أو نقصان، ومثلما هناك من يعبد الله على حرف، هناك أيضاً من يحب الوطن على شرط، فمجمل الأحداث والحوادث تصب فى هذا الاتجاه، ناهيك عن التفاصيل التى تقود متتبعها ومريدها ومالكها ومحللها إلى الجنون. الشارع المصرى وجد له نُخباً عديدة وُلدت سفاحاً من رحم الفهلوة التى تم تلقيحها صناعياً عبر بعض الأنابيب الإعلامية الملوثة، لقد استيقظ المجتمع المصرى على حزمة من الأسماء التى لمعت وتلألأت فى دنيا الإعلام بأسماء ومسميات وألقاب معظمها مزيف بين التزييف الشكلى والموضوعى، كان حديثهم العذب عن الوطنية يدعو الجميع للإنصات والانتباه، وظن المواطن أن هؤلاء يحبون وطنهم بصدق وإخلاص، لكن المفاجأة المدوية أن هؤلاء ما كانوا يحبون وطنهم بشكل مجانى، كان هناك مقابل ينتظرونه مقابل هذا الحب، وكان هؤلاء يقسمون ويقسمون بأغلظ الأيمان أنهم ماضون فى خدمتهم لوطنهم حتى الرمق الأخير، وفى الفترة الأخيرة وجدنا هؤلاء يتساقطون الواحد تلو الآخر، فالخلافات والمعارك الفضائية بين هؤلاء لم تكن من أجل الوطن أو من أجل عيون هذا الشعب، كانت معاركهم وخلافاتهم وصراخهم من أجل أنفسهم، حيث المناصب والكراسى الملعونة التى تذل أعناق الرجال، كيف يقتنع الشعب.. عفواً، كيف يحترم الشعب أولئك الذين يجتمعون على مصالحهم ويختلفون حول مصالحهم ودائماً الوطن هو المائدة التى يأكل عليها هؤلاء، رأينا نماذج عديدة خلال الشهور والأيام الماضية، رأينا من يخون حليف الأمس ويتهمه بالعمالة والخيانة، رأينا من يخرج ليذيع أسراراً -حقيقية أو مختلقة- بعد أن فاته مقعد أو كرسى كان يتمناه، رأينا من يفضح الآخرين بحجة الشفافية ثم يتصالح مع من فضحهم بحجة الوطنية، رأينا من يختلق الأكاذيب والقصص والروايات المضللة بعد أن أصابته لوثة عقلية من جراء عدم اختياره فى منصب كان وما زال حلماً يراوده، النخب سقطت فى بئر شهوة السلطة، هذه النخب منها السياسى والإعلامى والفكرى والدعوى، لا أستثنى منهم أحداً، إنهم كما قال الشاعر فاروق شوشة «خدم» لكنهم ليسوا خدماً للسلطة بل خدم للكراسى والمناصب الملعونة التى تذل أعناق الرجال، أصبح هؤلاء يتحركون بلا ضابط ولا رابط، اختفت القيود الأخلاقية الحكيمة من حول هؤلاء، غابت الضمائر أو تم بيعها أو «تأجيرها مفروش»، انتفخت الكروش وطال اللسان وتنوعت أشكال الفساد والإفساد، ورغم انكشافهم وافتضاح أمرهم ما زالت أقلامهم وألسنتهم حداداً، يتحدثون عن المثل والأخلاق والفضيلة وحب الوطن والتفانى فى خدمته، الشعب يرى سلوكياتهم وأفعالهم المتناقضة فيضرب أخماساً فى أسداس ويتعجب مما يجرى ويندهش من هذه الازدواجية المفضوحة، هؤلاء الفاسدون والمفسدون عباد الكراسى وخدام مصالحهم وشهواتهم، يضربون القدوة والمثل لأجيال جديدة منها من يسير على نفس المنوال وبنفس الطريقة، إننى أنظر حولى وأتفحص الوجوه وأتابع الأقلام والألسنة وأعرف ما أعرف فلا أملك إلا أن أدعو الله قائلاً «اللهم ثبت عقلى ودينى».