هذا الاستعراض تناول أجزاء من صورة الشريحة الشبابية المصرية وما دونها، خاصة ونحن نطالع يومياً أسماء وصوراً وأعماراً للعديد منهم فى متن مكافحة العمليات والنشاط الإرهابى الضاغط على المشهد الأمنى والمجتمعى عامة، وباختصار كمجتمع مصرى نتشارك مع المحيط الإقليمى وكثير من بلدان العالم فى انزلاق وتدافع شبابنا للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، وبمباشرة تحدثنا أن مواجهة هذه الظاهرة ما زالت قاصرة ولم تخرج حتى اللحظة من اختزال مواجهتها أمنياً فقط، فقد تساءلنا عن الأيادى التى لم تتقدم للمساعدة وعن النمط المجتمعى السائد الذى يساهم من خلال العديد من آلياته فى تفاقم الظاهرة، واليوم نتشارك مع من يحملون هم هذه المشكلة الثقيلة فى محاولة استكمال تفكيك بعض من المسارات التى تصنع هذا الشاب الساذج فكرياً وسلوكياً، والذى يمكنه الانتقال بسهولة غير متوقعة إلى حمل السلاح.
انتشرت أكثر من مرة على صفحات التواصل الاجتماعى قُبيل خوض الرئيس عبدالفتاح السيسى سباق الرئاسة والفوز فيه، أن هناك مشروعاً سيتبناه الجيش المصرى خاصاً بأطفال الشوارع عبر تجميعهم فى معسكرات تأهيل اجتماعى يعقبه تدريب على بعض من المهارات، وتكرر هذا الطرح أكثر من مرة وفى بعض المرات كان هناك حديث حول تضمن البرنامج الرئاسى للمشير عبدالفتاح السيسى مشروعاً متكاملاً لهذا العنوان، لكن الواقع الرسمى لم يأخذ خطوة واحدة فى سبيل تنفيذه رغم التأييد الواسع والزخم الكبير الذى كان يصاحب طرح تلك الفكرة، وبالطبع هى جديرة بالتعاطى معها لأهميتها، لكن ما لفت الانتباه فيها أنها دوماً تم ربط تنفيذها بالقوات المسلحة، ولهذا الربط مجموعة من الإشارات أهمها أن الأمر له ارتباط وثيق بالأمن القومى الذى يقف الجيش المصرى فى الصف الأول للدفاع عنه.
الطرح الذى احتفظت به للنهاية هو العنوان الشامل لهذا المشروع وأمثاله، كونه من المنظومات التى تحمل صياغة وتشكيلاً جديداً للحلم والطموح، وهذان الأخيران هما المكون الرئيسى للمرحلة العمرية التى نتحدث عنها، يتساوى فى ذلك ابن مدرسة اللغات الدولية وابن الشارع المفتوح بدرجاته المتعددة، كلاهما تسكنه أحلام متجددة يومياً، وكلاهما بينه وبين نفسه وأقرانه يعيد ويزيد فى ترتيب طموحاته كل ساعة، وهو بالمقتضى العمرى المشروع الذى يجب أن يحظى باهتمامنا الكامل، هذا إن كنا كدولة ومجتمع نريد أن نصوغ حماية حقيقية لهم، فضلاً عن الاستفادة من تلك الأجيال التى تتدفق على الساحة فى تتابع لن ينتظر تباطؤنا المجتمعى العام.
صياغة هذا الطموح وصناعة الحلم لمثل هؤلاء الشباب والصبية لا بد أن يحتل صدارة المشروعات القومية المصرية، وهو ذو طابع عاجل نظراً لظرف الخطر المتحقق بالفعل، وقد وصفت التباطؤ بالمجتمعى لأن المهمة ليست حكومية صرفة بالفعل، وإن كان يمكن إطلاق شرارتها من خلالها لكن يبقى العمل مجتمعياً بامتياز، وفى هذا تبذل دول كبيرة وعديدة مجهودات هائلة وبحوث مستفيضه حول تلك الصياغة المفقودة لدينا أيضاً، وليست هذه المساحة بقادرة بالطبع على وضع كل تصورات الحل، لكننا نشير لأهمية الانتباه والبدء والإعلان بأن هذا العنوان هو مشروعنا الأول والرئيسى، يمكن هذا من خلال مؤتمر وورش عمل جادة تحشد المجتمع المدنى بكل أطيافه التى تريد اقتحام هذا المجال، نريد أن تصطف الأيدى والعقول الجاهزة لتقديم أفكار ويد المساعدة للخروج بالشباب المصرى من فخ ومأزق الحيرة إلى ضفاف كيفية صناعة مستقبل يرضى طموحاتهم، المجتمعات والشعوب التى صنعت الحضارات والطفرات التنموية تشاركت جميعها فى أن ضربة البداية تتمثل فى تقدير أهمية هذه الأجيال الشابة، وصنع آلية صارمة للاهتمام بهم، وفى بعض المجتمعات كانت تفرض تلك الصرامة حتى على أولياء أمورهم فى حال عدم إدراكهم أو إيمانهم بأهمية هذا العمل على أولادهم. الاستثمار المأمون والحقيقى لن يخرج عن هؤلاء الشباب فهم من سيصنعون المستقبل، وسيصنعونه شئنا أم أبينا وفق ما يمتلكونه من مهارات ووعى، فبقدر ما نشكله اليوم سنحصد نتائجه فى الغد، فضلاً عن النجاة بهم وبنا من وحش التطرف الذى لن يكف أو يشبع عن التهام ضحاياه، والجاهز دوماً على الجانب الآخر من الطريق ينتظر المتعثرين والمتباطئين واللاهين عن النظر إلى الأمام.