خلال العام الدراسى (2013 - 2014م)، شهدت ساحات الحرم الجامعى أسوأ موجة من أعمال العنف، لم تعرف الجامعات المصرية مثلها من قبل. بل إن هذه الأحداث المستمرة دون انقطاع منذ بداية العام الجامعى فى شهر سبتمبر 2013م هى التى دفعت القيادات الجامعية إلى التعجيل بامتحانات نهاية العام، التى بدأت على غير العادة فى نهاية شهر أبريل 2014م. وربما يرجع السبب فى ذلك أيضاً إلى الانتهاء من الامتحانات الجامعية قبل بداية معركة الانتخابات الرئاسية، التى جرت فى داخل الوطن خلال أيام 26 و27 و28 مايو 2014م.
من ناحية أخرى، وفى غمرة الاحتفالات الشعبية بنجاح المشير عبدالفتاح السيسى برئاسة الجمهورية، شهد ميدان التحرير جريمة شنعاء نكراء، تمثلت فى تحرش سبعة أشخاص بعدد من الفتيات أثناء الاحتفالات التى جرت بالميدان مساء يوم الثامن من يونيو 2014م. وغنى عن البيان أن مرتكبى هذه الجريمة هم من فئة الشباب، أى من تجاوزوا الثامنة عشرة من العمر إلى سن الأربعين.
ومنذ ظهورها فى شهر أبريل سنة 2007م، لا تتورع جماعات الألتراس عن المشاغبات والصدامات مع أعضاء الأجهزة الأمنية والاعتداء على ضباط وجنود الشرطة، فضلاً عن المشاغبات التى لا تنتهى مع مشجعى الفرق الأخرى. ولعلنا جميعاً نتذكر مأساة مذبحة بورسعيد، التى أدت إلى وفاة اثنين وسبعين من مشجعى النادى الأهلى، وذلك على أثر انتهاء المباراة المقامة بين ناديى الأهلى والمصرى. ومؤخراً، وقبل توجه لاعبى الأهلى إلى الاستاد لملاقاة فريق نادى سموحة، قام عدد كبير من ألتراس أهلاوى بحصار الفندق الذى يقيم فيه لاعبو الفريق الأحمر، ومنعوهم من الذهاب إلى ملعب المباراة فى الموعد المحدد. وفى الأسبوع الماضى، وبالتحديد يوم الاثنين الموافق الثانى من فبراير 2016م، قام أعضاء ألتراس أهلاوى باقتحام أحد الملاعب الرياضية الخاصة بالنادى، بحجة إحياء الذكرى الرابعة لشهداء بورسعيد، ورفعوا لافتات مسيئة لبعض رموز الجيش والشرطة. وغنى عن البيان أن معظم أعضاء جماعات الألتراس هم من فئة الشباب، خصوصاً طلبة الجامعات. وخلال الانتخابات الرئاسية التى جرت فى شهرى مايو ويونيو 2014م والانتخابات البرلمانية الأخيرة التى جرت فى الربع الأخير من العام 2015م، تعالت الأصوات عن عزوف الشباب عن المشاركة فى التصويت، الأمر الذى دعا البعض إلى الحديث عن ضرورة البحث عن أسباب هذه الظاهرة والآليات التى تكفل تحفيز الشباب على المشاركة فى الانتخابات. فى المقابل، شهدت هذه الانتخابات ظاهرة المشاركة الكثيفة للمرأة وكبار السن. كل هذه الوقائع والأحداث تدل بما لا يدع مجالاً للشك على وجود مشكلة حقيقية فى التعامل مع الأجيال الشابة، وتدق ناقوس الخطر أمام صانعى القرار فى بلادنا، وتستدعى التدخل العاجل لعلاجها والقضاء على أسبابها. والواقع أن الإنسان يمر بمراحل عديدة فى حياته، وفى كل مرحلة من العمر يتميز الفرد بخصائص بدنية ونفسية معينة، كما يختلف تأثير الظروف المحيطة به فى هذه المراحل. ولا شك أن السمات الفردية فى كل مرحلة من مراحل العمر، وما يحيط بكل منها من ظروف اجتماعية مغايرة، تؤثر على تصرفات الشخص، ويمكن بالتالى أن تسهم فى تفسير السلوك الإجرامى. ولتحديد أثر السن على حجم ونوع الجرائم المرتكبة، يميز علماء الإجرام بين أربع من مراحل عمر الإنسان، هى: مرحلة الطفولة، ومرحلة المراهقة، ومرحلة الشباب، ومرحلة الشيخوخة. وتمتد مرحلة الطفولة من لحظة الميلاد إلى سن الثانية عشرة. أما مرحلة المراهقة، فتمتد من الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة. وتبدأ مرحلة الشباب من الثامنة عشرة وتنتهى فى سن الخمسين. وأخيراً، تأتى مرحلة الشيخوخة، ويدخل فيها الأفراد الذين تزيد أعمارهم على الخمسين عاماً.
ونادراً ما يرتكب الإنسان جريمة خلال مرحلتى الطفولة والشيخوخة. وقد يرجع ذلك إلى الضعف البدنى الذى يميز الأطفال وكبار السن، وإلى ضيق علاقاتهم الاجتماعية. أما مرحلة المراهقة، فتعد أخطر المراحل فى حياة الإنسان، بحيث يمكن القول بأن الفرد الذى يفلح فى تجاوز هذه الفترة دون أن يرتكب أى جريمة يندر أن ينزلق إلى ارتكابها بعد ذلك. وفى هذه المرحلة، يطرأ على الشخص تغيرات عضوية ونفسية واجتماعية كبيرة، حيث يقوى الحدث بدنياً، ويظهر التغير فى إفرازات غدده، مما قد يزيد من ميوله العدوانية، كما تنشط غريزته الجنسية، ويؤدى عدم قدرته على التحكم فيها إلى ارتكاب بعض الجرائم. كذلك، تقترن هذه المرحلة بتزايد العلاقات الاجتماعية للحدث، فيختلط بالزملاء والأصدقاء، وقد يتأثر بالسيئ منهم، ويندفع إلى طريق الإجرام. وقد ازداد الأمر سوءاً فى القرنين العشرين والحادى والعشرين، مع ظهور الجماعات المتطرفة التى تعمد إلى استغلال اندفاع الشباب وحماستهم، فتعمل على نشر الأفكار المتطرفة بينهم. ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعى فى السنوات الأخيرة، زادت مساحة التواصل واتسع نطاق العلاقات الاجتماعية للمراهقين والشباب. بل وأصبح ميسوراً بالنسبة لهم الحصول على معلومات عن كيفية تصنيع القنابل والتغلب على آثار الغاز المسيل للدموع. ويلتحق الشاب غالباً بالجامعة فى سن الثامنة عشرة وينتهى من الدراسة فى سن الثانية والعشرين فيما يتعلق بالكليات النظرية، بينما يتأخر تاريخ التخرج سنة أو بضع سنوات فى الكليات العملية التطبيقية. وقد جرى العمل على تأجيل الخدمة العسكرية لطلاب الجامعات حتى الانتهاء من دراستهم الجامعية. ونعتقد من الأوفق والأنسب البدء فوراً فى إلحاق الشباب بالخدمة العسكرية والوطنية بمجرد الانتهاء من شهادة الثانوية العامة، دون حاجة للانتظار حتى انتهاء الدراسة الجامعية. وفى رأينا أن الالتحاق بالخدمة العسكرية يمكن أن يتحقق بمجرد الانتهاء من شهادة الثانوية العامة، ولو لم يبلغ الفرد سن الثامنة عشرة، الأمر الذى يكون من خلال إجراء تعديل تشريعى للمادة الأولى من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980م. وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المادة الثامنة والثلاثين من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل تجيز لكل دولة طرف تجنيد أى شخص تبلغ سنه خمس عشرة سنة فى قواتها المسلحة. كذلك، يلاحظ أن بعض الدول العربية تتبنى فكرة إلحاق خريجى الثانوية العامة مباشرة فى الخدمة الوطنية، ما لم يكن حاصلاً على شهادة الثانوية العامة بمعدل لا يقل عن تسعين بالمائة (المادة الرابعة عشرة من القانون الاتحادى رقم 6 لسنة 2014 فى شأن الخدمة الوطنية والاحتياطية بدولة الإمارات العربية المتحدة). ويمكن تبنى ذات المبدأ عندنا مع رفع المعدل إلى خمسة وتسعين فى المائة. فإذا كان المعدل الذى حصل عليه الطالب فى الثانوية العامة يقل عن ذلك، يتم إلحاقه مباشرة وفوراً بالخدمة العسكرية، دون انتظار حصوله على شهادة إتمام الدراسة الجامعية. وهكذا، وإذا تسنى إلحاق الشباب بالخدمة العسكرية والوطنية بمجرد الانتهاء من الثانوية العامة، يمكن بالتالى غرس الروح الوطنية فيهم، وتعويدهم على قيم الالتزام والانضباط، وبحيث يصعب على جماعات التطرف والإرهاب التأثير عليهم. ولا شك أن هذا الطالب سيكون أكثر نضجاً، الأمر الذى ينعكس إيجاباً على العملية التعليمية فى جامعاتنا، ويكفل بالتالى تأهيلاً أفضل للخريجين.