عن حب "مرات الأب".. إسراء: وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
صورة أرشيفية
لم تكن تخطت عامها العاشر حين فوجئت الطفلة التي مازالت في أولى مراحلها الابتدائية بوفاة والدتها، وأدركت أن شيئًا كبيرًا ذهب من دون عودة، وقبل الإفاقة من غياهب الرحيل، توسطت إخوتها في اجتماع عائلي رأسه الأب، ليطلعهم على نيته في الزواج، كونهم جميعًا بالمدارس ويحتاجون مَن يرعى أحوالهم من مأكل ومشرب.
لم تعِ "إسراء. ح"، وهي طفلة ما يحدث، لكنها لم ترفض الأمر بعد أن وجدت إخوتها الأكبر منها مرحبين، خصوصًا وأنها وشقيقها الصغير من والدة، وإخوتها الأكبر منها من أم أخرى، وهو ما فسر عدم تعجبهم من نية أبيهم في الزواج للمرة الثالثة.
تسلمت زوجة الأب الجديدة رعاية أولاد زوجها الخمسة، 3 بنات وولدين، بعد زواج السادسة وهي الكبرى قبل رحيل الأم، خاف الأشقاء الكبار على أختهم التي تبلغ من العمر 9 أعوام من الوافدة على العائلة، إلا أنّ الواقع اختلف بعد مرور نحو 14 عامًا برفقتها، لم تُرزق خلالها زوجة الأب بأبناء، فقررت إسراء أن تعامل زوجة أبيها على أنها أمها على الرغم من اقتناعها الكامل أن الأم لا تُعوّض، لكن حرمان زوجة أبيها من الأبناء كان دافعًا قويًا حتى تُعاملها بكل حب بعيدًا عن الكراهية.
وترى الفتاة العشرينية، أن زوجة والدها استطاعت برعايتها ومحبتها للأبناء أن تكسب محبتهم، فلم تجعلهم في يوم بحاجة إلى مأكل أو مشرب، فهي ترعاهم كأبنائها الذين لم تُرزق بهم، ليرغب الأبناء أيضًا في رد المعروف لها وبات إسعادها جزء من حياتهم اليومية، وعيد الأم هو أهم المناسبات التي تُعد لها وتختار ما تريد من هدايا، وتروي اسراء "من وأنا طفلة كنت بحوّش عشان أجيب لها اللي نفسها فيه على قد المصروف، ولما كبرت بأول مرتب خدته من الشغل جيبت لها التليفون اللي كان نفسها فيه، بحس في ضحكتها إنها نعمة من ربنا ولازم أحافظ عليها وأعوضها".
وتضيف إسراء: "ربنا خلقنا رسايل ليه وأدوات في الأرض، وأنه يحرم مرات بابا من الأولاد ويزرع محبتها في قلوبنا فاحنا بقينا أداة لربنا لازم نفرحها ونبسطها، ولو ركزنا حبة هنلاقي أبسط الحاجات بتفرحها فعليًا".
ولا يقابل الحب سوى الحب والأمان، فمحبة زوجة الأب جلعت ارتباطهم بها، تفكر في كل ما يخصهم سواء جهاز أو اختيار العريس المناسب، وتعلق إسراء ضاحكة "فهي لا تختلف عن أي أم في جملتها المعهودة إمتى تتجوزي ونخلص منك"، وبات كل ما يشغل بالها أن تؤدي مهمتها حتى النهاية، فبعد زواج بنتين وولد بقى أمام رسالتها ابنة واحدة وولد لكي تشعر أن مهمتها اكتملت باطمئنانها عليهم.
واستطاعت زوجة الأب خلال تلك الأعوام، أن تخرّج ثلاثة بنات؛ الكبرى مهندسة ديكور وخريجة فنون جميلة، والتي تليها خريجة كلية أزهرية "دراسات إنسانية قسم تاريخ"، ثم إسراء وهي أصغر البنات وهي تحضر ماجستير قسم صحافة، أما الأخ الأصغر فهو في عامه الأخير بترميم آثار، وهو الابن الذي استلمته زوجة الأب وهو ما زال حديث العهد بالمشي.
وتختم الأبنة حديثها عن زوجة أبيها: "مؤمنة بربنا في كل حاجة معرفش كان ممكن يحصل إيه لو ماما اللي لسه عايشة، ماما كانت شديدة جدًا وقلبها طيب أكتر بشهادة إخواتي اللي لحقوا يعيشوا معاها، لكن معرفش حياتي كانت هتمشي إزاي لو كانت موجودة مؤمنة أن كل لها اختبارات من ربنا".