فى الجزء الأول من هذا المقال المنشور الثلاثاء الماضى كنا نريد طرح بعض من الأسئلة التى كانت على مائدة النظام فى الأسبوع الذى سبقه، واخترنا سؤالين محددين كنموذج للعديد من حالات الاستفهام التى تقف أمامها الحكومة بأجهزتها صامتة صمتاً مبهماً، لم نجد له تفسيراً مقارباً للحالة التى بدت عليها، حتى يمكن وضعه بجوار فعل الصمت، أزمة «أمناء الشرطة» فى واقعة التعدى على أطباء مستشفى المطرية والإجراءات القانونية التى أعقبت الواقعة، وموقف سيارات الأجرة «التاكسى الأبيض» فى مواجهة الشركات التى ظهرت لتقدم نفس الخدمة مثل «أوبر وكريم»، واللافت أن كلتا الحالتين بدأت من أسبوعين تقريباً وفعل الصمت ظل مطبقاً، ونُشر الجزء الأول من المقال الثلاثاء مستشرفاً أن كلتا الحالتين تصلحان نموذجاً للعنوان، كونهما، باستقراء بسيط لمكوناتهما، مرشحتين بقوة للتمدد وللتداعى أيضاً حتى فيما بعد الثلاثاء وهو ما حدث بالفعل، فجاء الأسبوع الماضى ليحمل أحداثاً عديدة تتعلق بحالة سيارات الأجرة وكان هناك تطور يحتاج إلى الالتفات، وحمل يوم الجمعة حدثاً سياسياً يستوجب الوقوف أمامه تم فى «نقابة الأطباء» بدعوة الجمعية العمومية لاجتماع طارئ حضره فى أقل تقدير عشرة آلاف طبيب، وأصدروا فى نهايته مجموعة من التوصيات المهمة تمت الموافقة عليها واعتمادها من قبل الأعضاء.
ببداية زمنية لكلتا الحالتين تطورت أزمة التاكسى الأبيض طوال أيام الأسبوع الماضى، فبعد أن بدأ بتعديات عنيفة وتهشيم السيارات التابعة للشركتين المذكورتين، فشل بعدها تنظيم إضراب جزئى مؤثر من مالكى سيارات التاكسى ولم يلتفت إليه أحد.. بعدها حاول فريق التاكسى الأبيض أن يدخل إلى منطقة أخرى بنصب مجموعة من الكمائن لسيارات الشركات باستدعائهم ومن ثم القبض عليهم بمعرفتهم وتسليمهم للشرطة، وهنا حضر الصمت المطبق للنظام فى كل ما سبق من تطورات وأفعال تتم بالشارع بين مواطنين، من دون كلمة واحدة تحسم الأمر بأى فكرة أو قول أو إسناد قانونى غائب، وكأن كافة تلك التداعيات التى كانت مثار حديث الجميع من قاطنى العاصمة ودقة عنوان الملف الخاص بعملية النقل الخاص لا تخص الجهاز الحكومى فى شىء، الذى وضح أنه ليس لديه إجابة حاسمة ولا أفكار.
جاء يوم الجمعة فى نقابة الأطباء ليكرس فعل الغياب بصورة تامة لم تخطر على بال أكثر المتشائمين، متمثلاً فى الحضور المكثف لأعضاء النقابة، مما اضطر بعض القنوات التليفزيونية، ومنها التليفزيون الرسمى لأن تحاول الالتفاف على الصورة التى قد تحرج العديدين، فلجأت إلى بث مجموعة من اللقطات غير الحقيقية، والذى اضطر منها للنقل حاول أن يمارس فعلاً إعلامياً ملتوياً، بالتركيز على صور أصحاب اللحى والمحجبات والمنتقبات حتى يعطى ايحاء كاذباً للمشاهد بأن هذا الاجتماع من فعل وتنظيم التيار الإسلامى، وكانت بالصورة فعلاً بعض الرتوش غير الصحية، عندما ظهرت جماعة 6 أبريل بقيادات التظاهر من أعضائها، وغيرها ممن يطلق عليهم رموز للعمل السياسى تدافعوا ناحية الاجتماع الذى رفع أعضاؤه شعاراً محترماً «جمعية مهنية»، كان هذا الفعل من هؤلاء ركوباً متوقعاً للموجة ولا وزن له فى إجمال المشهد الثقيل، لكن السؤال الأهم من الذى صنع الموجة بداية؟ ومن مهد لها كل أسباب التمدد وسمح لكل هؤلاء بالنهش فى أكتاف النظام بالحق أو بالباطل؟
لدينا إجابة متواضعة عن هذا الذى سمح ومهد من أعضاء الحكومة الغائبة فهم الغارقون فى الصمت والعاجزون عن تفكيك أزمة تطال السمعة حتى على محدودية الفعل فيها، فالحديث عن أن النظام يريد أن ينصر أمناء الشرطة على الأطباء ويريد أن يحمى رجاله غير صحيح ولا يمت للواقع بصلة، لكن يستلزم ذلك تعاطياً وأفعالاً مع أصول وهوامش الأزمة، وأن يتم ذلك فى التوقيت الصحيح، فمن دونه ترتبك الرسائل المراد إيصالها، ويصبح صندوق البريد مرشحاً لأن يستقبل كافة الرسائل المسممة من أى طرف عابر فى الطريق، يريد استثمار الصمت وفقر الأفكار وغياب المكاشفة وفعل المواجهة.