فى القمة الحكومية المنعقدة فى مدينة دبى يوم الاثنين الموافق الثامن من فبراير 2016م، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبى، عن أكبر تغييرات فى تاريخ الحكومة الاتحادية واعتماد هيكل تفصيلى جديد لها. وعن مواصفات الحكومة الجديدة، قال سموه: «نريدها حكومة شابة قادرة على خلق بيئة للشباب لتحقيق أحلامهم ومستعدة للعمل بشكل سريع لتحقيق طموحات شعبنا». وأضاف سموه أنه تم إقرار إنشاء مجلس شباب الإمارات، ويضم نخبة من الشباب والشابات ليكونوا مستشارين للحكومة فى قضايا الشباب، والمجلس سترأسه وزيرة دولة للشباب لا يتجاوز عمرها 22 عاماً.. طاقة الشباب هى ما سيحرك حكومة المستقبل.
وبالفعل، تضمن التشكيل الوزارى الذى تم إعلانه يوم الأربعاء الموافق العاشر من فبراير 2016م إسناد وزارة الدولة لشئون الشباب إلى شابة حديثة التخرج، تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً فقط، وهى معالى شما المزروعى. ولكن، ورغم صغر سنها، يلاحظ أنها حاصلة على شهادة الماجستير فى السياسات العامة مع مرتبة الشرف من جامعة أكسفورد فى المملكة المتحدة، وكانت أول طالبة فى دولة الإمارات تفوز بمنحة «رودز» للقيادات الشابة فى العمل الحكومى، وهى أيضاً حاصلة على دبلوم متقدم فى الشراكات متعددة القطاعات من جامعة نيويورك، فى حين نالت شهادة البكالوريوس فى الاقتصاد مع مرتبة الشرف العليا من جامعة نيويورك. وعملت شما المزروعى فى أحد الصناديق السيادية فى أبوظبى، وكانت قد عملت قبل ذلك محللاً للسياسات العامة ضمن بعثة الإمارات للأمم المتحدة فى نيويورك. كذلك عملت شما المزروعى محلل سياسات وزارية، وشاركت فى مجموعة بحث مختبر الابتكار للشباب فى مكتب رئاسة مجلس الوزراء. والوزيرة الشابة حاصلة على جائزة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان للتميز وجائزة «كوتوس» لقائد المستقبل، وكانت عضواً مشاركاً فى كلية الإنجازات المرموقة بمؤتمر سان فرانسيسكو، كما أنها مسئولة الاتصال والعلاقات الخارجية فى منتدى دراسات أكسفورد للخليج وشبه الجزيرة العربية بالمملكة المتحدة، وكانت كذلك مندوبة علاقات الخريجين فى كلية «بلافتنك» للدراسات الحكومية فى المملكة المتحدة، كما كانت شريكاً مؤسساً وعضواً فى معهد النهضة بجامعة نيويورك فى أبوظبى.
وهكذا، أصبحت معالى شما المزروعى أصغر وزيرة فى العالم. وقد عمدت إلى سرد سيرتها الذاتية، لسببين: أولهما، أن صغر سن الوزيرة الشابة قد يدفع القارئ العزيز للاعتقاد بأنها شابة حديثة التخرج لا تتوافر على أى خبرات إدارية أو عملية. بل إن البعض قد يندهش من أن مؤهلاتها الدراسية غير قاصرة على المؤهل الجامعى، وإنما حصلت كذلك على درجة الماجستير. أما السبب الثانى، فيتمثل فى التأكيد على أن تعيين الشباب فى المناصب الوزارية ليس هدفاً فى ذاته، يتم اللجوء إليه كمجرد ديكور لتجميل وجه الحكومة أو تحقيق أهداف دعائية، وإنما ينبغى أن يكون ذلك مرهوناً بتوافر المؤهلات والقدرات اللازمة لدى الشاب المرشح لشغل المنصب الوزارى وأن تعمل الحكومات على توفير الآلية المناسبة لتأهيل الشباب لشغل المواقع القيادية بوجه عام. كذلك، يلاحظ أن الوزيرة الشابة تبوأت مقعد الوزارة المعنية بالشباب، الأمر الذى يثير التساؤل عما إذا كان هذا الحدث الاستثنائى قاصراً على هذا المنصب، أم يمكن التنبؤ بحدوث ذلك مستقبلاً فى المناصب الوزارية الأخرى فى الحكومات الإماراتية التى يتم تشكيلها مستقبلاً. ولعل من المناسب هنا الإشارة إلى أنه قد ساعد على هذا الحدث الاستثنائى أن الدستور الإماراتى لا يضع حداً أدنى لسن الوزير. إذ تكتفى المادة 56 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة بالنص على أن «يكون اختيار الوزراء من بين مواطنى الاتحاد المشهود لهم بالكفاءة والخبرة».
فى المقابل، كانت المادة 154 من الدستور المصرى الملغى لعام 1971م تنص على أن «يشترط فيمن يعين وزيراً أو نائب وزير أن يكون مصرياً، بالغاً من العمر خمساً وثلاثين سنة ميلادية على الأقل، وأن يكون متمتعاً بكامل حقوقه المدنية والسياسية». وهكذا، كان المشرع الدستورى المصرى يستلزم لتبوؤ منصب الوزير ألا يقل عمر الشخص عن خمسة وثلاثين عاماً. وإزاء هذا التحديد، اضطر الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى تغيير مسمى وزارة الشباب إلى المجلس الأعلى للشباب والرياضة، حتى يتمكن من تعيين الدكتور عبدالحميد حسن فى هذا المنصب. ففى الرابع عشر من نوفمبر 1974م، صدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 1712 لسنة 1974 بشأن تعيين السيد الدكتور عبدالحميد حسن رئيساً للمجلس الأعلى للشباب والرياضة بدرجة نائب وزير. وقد كان عمر الدكتور عبدالحميد حسن آنذاك أقل من السن اللازمة دستورياً لتولى منصب الوزير. وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، ومع الدور البارز للشباب فيها، ارتأى المشرع الدستورى المصرى أنه من المناسب النزول بالسن اللازمة لتولى منصب الوزير إلى ثلاثين عاماً فقط. فوفقاً للمادة 156 الفقرة الأولى من الدستور المصرى الملغى لسنة 2012م «يشترط فيمن يعين رئيساً لمجلس الوزراء أو عضواً بالحكومة، أن يكون مصرياً، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، بالغاً من العمر ثلاثين سنة ميلادية على الأقل، وألا يكون قد حمل جنسية دولة أخرى ولم يتنازل عنها خلال عام من بلوغه سن الثامنة عشرة». والبين من هذا النص أن المشرع يساوى فى السن المتطلبة دستورياً لتولى كل من منصب رئيس الوزراء ومنصب الوزير، بحيث يلزم فى كلا المنصبين ألا يقل العمر عن ثلاثين عاماً.
ولكن، وفى ظل الدستور المصرى الحالى لعام 2014م، ارتأى المشرع الدستورى أن يميز فى الحد الأدنى المتطلب دستورياً لسن رئيس الوزراء وسن الوزير، وبحيث يلزم لتولى منصب رئيس الوزراء ألا يقل العمر عن خمس وثلاثين سنة، بينما يكفى لتولى منصب الوزير ألا يقل عمره عن ثلاثين عاماً فقط. فوفقاً للمادة 164 الفقرتان الأولى والثانية من الدستور المصرى لعام 2014م «يشترط فيمن يعين رئيساً لمجلس الوزراء، أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وألا يحمل هو أو زوجه جنسية دولة أخرى، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانوناً، وألا تقل سنه عن خمس وثلاثين سنة ميلادية فى تاريخ التكليف. ويشترط فيمن يعين عضواً بالحكومة، أن يكون مصرياً، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانوناً، بالغاً من العمر ثلاثين سنة ميلادية على الأقل فى تاريخ التكليف».
وفى الختام، أرى من المناسب فى أى تعديل دستورى قادم أن يتم تخفيض السن اللازمة لتولى المناصب الوزارية إلى خمسة وعشرين عاماً، بدلاً عن ثلاثين سنة، حتى لا يقف القيد الدستورى الحالى عائقاً أمام الاستفادة من بعض الكوادر الشابة فى المناصب الوزارية.
* أستاذ القانون الجنائى بجامعة القاهرة