رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

تصوير:

الوطن

11:09 م | السبت 28 يناير 2023
كتب:- أحمد عبدالفتاح
شارع طويل يحمل عبق ورائحة الزمن الجميل، على جانبيه تقع ورش صغيرة لا تكاد تسع لأداة أو اثنتين، يعمل بها أشخاص يعشقون مهنتهم، ومع تطور الصناعة لم يترك هؤلاء أدواتهم، بل بأيديهم وأسنانهم تمسكوا بتاريخ أجدادهم، تلمع أعينهم فى أثناء تصنيع قطع الفانوس الرمضانى، احتفالاً بقدوم شهر رمضان الكريم، يصمّمونه بأيديهم وقلوبهم، فيخرج قطعة من الجمال تزين شوارع ومنازل المدن والقرى، هكذا يتحول شارع تحت الربع بمنطقة الدرب الأحمر قبل أيام من بداية شهر رمضان، فينقلب حال الورش وتنتشر صناعة وتجارة الفوانيس، وهى واحدة من أشهر المناطق التى تشتهر بصناعة الفانوس الرمضانى

ساعات طويلة تحت أشعة الشمس، يعمل هؤلاء بورشهم المختلفة فى تصنيع الفانوس، ويقف البائعون أمام محلاتهم التى تمتلئ بأصناف وأحجام الفوانيس، إذ تقصده العائلات من كل حدب وصوب للشراء.

تامر عيد، أحد أشهر تجار الفوانيس بـ«تحت الربع»، توارث المهنة من أجداده كغيره، يجلس عمه على كرسيه بجانب المحل، يدخن الشيشة مُركّزاً نظره على ابن أخيه وهو يرتّب صفوف الفوانيس لعرضها، وعلى زبائنه وهم يتفحّصون قطع الفوانيس التى خرجت من ورشتهم، يحكى «تامر»: «المنطقة دى تاريخية، إحنا اتربينا على صناعة الفوانيس، المنطقة هنا قبل رمضان بكام يوم مش بتقدر تمشى فيها من زحمة الزبائن والزوار، بنبدأ نفرش شغلنا ونجهز»

يستورد بعض صانعى الفوانيس منتجاتهم من المصانع المصرية، وفى ورشتهم، يبدأون فى تشكيل القطع المختلفة، ويضيفون لمستهم الإبداعية إليها، حسب «تامر»: «عندى أكتر من 10 عُمال فى الورشة شغالين بالتناوب، بنشكل السلك ونبدأ نضيف القماش على شكل السلك اللى عملناه، وفيه فوانيس بنحط جواها لمبة وفوانيس لا»

بعض أصحاب الورش يتاجرون فى قطع الفوانيس بالجملة، إذ يوزّعونها فى مختلف محافظات مصر، منهم «تامر»، الذى يشترى من بعض المصانع فوانيس الصاج ليبيعها بالقطعة: «فوانيس الصاج محتاجة مكن مختلف ومصانع مخصّصة، لكن فوانيس السلك والقماش بنعملها فى ورشنا عاد».

قبل رمضان بأكثر من 3 شهور، يبدأ أصحاب المحلات بـ«تحت الربع» فى تجهيز فرشتهم ومحلاتهم بالفوانيس، يشترى بعضهم قطعاً مُصمّمة بالخشب وأخرى بالصاج، تبدأ عملية البيع لديهم مُبكراً، يروى أدهم وحيد، صاحب محل لبيع الفوانيس: «قبل رمضان بابدأ فى شغل الفوانيس، باستنى الفترة دى من السنة للسنة، وبعد رمضان باشتغل حاجة تانية، وكل واحد فى المنطقة بيرجع لمهنته الطبيعية»
يحب «أدهم» هذه الفترة من العام، يشعر ببهجة عند بيع الفوانيس، التى اشتراها من بعض المحلات والورش التى تبيعها بالجملة: «باركز فى المحل على بيع الفوانيس الخشب بس، من أصغر حجم موجود فى السوق لأكبر حجم، أنا متخصّص ومتعاون مع ورش بتصنع النوع ده من الفانوس»

لم تتأثر صناعة الفوانيس بمنطقة «تحت الربع» بارتفاع أسعار بعض المنتجات، بل ظلت على حالها، حسب بعض التجار، إذ يبلغ أعلى سعر لفانوس السلك والقماش 80 جنيهاً فقط، وهو أقل من سعره العام الماضى، وتصل أقل قطعة له إلى 10 جنيهات، بينما يبلغ أعلى سعر لفانوس الخشب متوسط الحجم 40 جنيهاً، ويتغير سعره حسب جودة الأخشاب المستخدمة فى التصنيع، وأغلى فانوس يباع بالمنطقة هو فانوس الصاج، ويتخطى سعر أكبر حجم له 200 جنيه، وأحياناً يتخطى حاجز 500 جنيه، حسب جودته أيضاً. أكثر أنواع فوانيس رمضان إقبالاً بمنطقة تحت الربع هو الفانوس القماش، نظراً لانخفاض سعره مقارنة بالفانوس الصاج، وفقاً لتجار المنطقة: «الفانوس الصاج سعره أغلى من الفانوس القماش بسبب الخامات المستخدمة فيه، لكن القماش أكثر إقبالاً بسبب شكله المميز والخيامية اللى الناس دائماً بتحبها»

قبل قدوم الشهر الكريم، يغيّر بعض تجار منطقة «تحت الربع» مهنهم الأساسية، من صناعة الشوايات والصناديق الحديدية وغيرها، إلى الفوانيس، فترة من العام، يصفونها بالأجمل فى عملهم: «بنحب نشتغل فى الفوانيس، الفترة دى فيها خير كتير لينا والرزق وفير»، البعض يصف صناعة الفوانيس قبل الشهر الكريم بالـ«مصلحة»، والآخر يتحدث عنها قائلاً: «قلبى بيروح لها لوحده»

منطقة «تحت الربع» يقصدها الجميع من مختلف أنحاء القاهرة الكبرى، بل والمحافظات أيضاً، لشراء أجود أنواع الفوانيس، وللاستمتاع بأجواء شهر رمضان بالمنطقة العتيقة، هاجر عبدالعزيز، تأتى كل عام لشراء الفوانيس قبل رمضان، تأخذ الفانوس عبارة عن هيكل سلك فقط، ثم تشترى القماش الذى تريده، وتبدأ بإعداد وتجهيز الفانوس بالمنزل: «باشترى الفانوس عبارة عن سلك بس، باشترى أنا قماش وباعمله علشان تكلفته أقل»

فى يوم الجمعة، يجمع إبراهيم حميد أولاده، يتجولون بمنطقة الحسين، ومنها إلى الدرب الأحمر وشارع تحت الربع لشراء الفوانيس، ولتجهيز الزينة وتعليقها أمام المنزل وداخله، إذ اعتاد عليها من أكثر من 10 سنوات: «من زمان وأنا قبل رمضان لازم آجى أشترى الفوانيس من الدرب الأحمر، باجيب الأولاد علشان يختاروا النوع اللى هما عاوزينه»، واصفاً فرحة وسعادة أولاده بشراء الفوانيس بأنفسهم: «بتكون فيها بهجة مختلفة عن إن أنا اللى أشتريها ليهم وهما فى البيت»