مخطئ من يعتقد أن مظاهرات الجمعة فى مصر تهدف إلى ما تم الإعلان عنه.. فالجزيرتان ليستا أبداً الهدف، بل الهدف هو إعادة ترتيب الصفوف، ورفع المعنويات لفلول ثورة 25 يناير، الذين أيقنوا تماماً أنهم كما يقول المثل: «خرجوا من المولد بلا حمص».. فإسقاط نظام مبارك ليس بسبب فساده، أو «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، كما كانوا يرددون من شعارات صدقها «المغفلون والسذج».. بل بسبب ما ادعوه من تزوير لانتخابات 2010، واستبعاد كل القوى السياسية المعارضة للنظام، وهذا ما سمعناه من رموز 25 يناير بعد نجاح الثورة، وسقوط نظام مبارك أو الحزب الوطنى إذا صح التعبير.. فالقصة من الأساس قصة مشاركة فى الحكم، واستبعاد القوى السياسية من المشاركة مسوّغ قانونى لإقامة الثورة.. وحتى الرئيس الأمريكى فى كل خطاباته المؤيدة لثورة 25 يناير والمعارضة لثورة 30 يونيو كلها تدور فى فلك وجوب إدخال معارضى الجيش فى منظومة الحكم، رغم أن أمريكا بنفسها إذا فاز الجمهوريون استبعدوا الديمقراطيين، والعكس..
القصة يا سادة ليست «أرضاً وعِرضاً».. القصة باختصار قناعة الكتل المعارضة للنظام الحالى فى مصر، التى تعنتت فى مواقفها بأنها لن تستطيع المشاركة فى منظومة صنع القرار إلا فى إحداث فوضى تجبر الطرف المسيطر على الأوضاع والقرار بالجلوس على طاولة المفاوضات، لإعادة تقسيم الكيكة.. راجعوا كل الأطراف الداعية للمظاهرات، فستجدون أنهم من الخاسرين بالسباق السياسى بعد نجاح ثورة 30 يونيو.. وأكيد لا أعنى خالد أبوالنجا أو محمد عطية أو حتى باسم يوسف، فهؤلاء واجهة إعلامية لجهات أخرى، وصفحاتهم ما هى إلا منصات إعلانية لمن يرغب بالإعلان، مثل الحسابات الموجودة فى «الإنستجرام»، ومكتوب عليها: الراعى الرسمى لحسابى هذا الشهر «مجوهرات فلان، أو صالون فلانة».
ما حدث يوم الجمعة، وتحديداً عند نقابة الصحفيين، ما هو إلا خطوة أولى فى مخطط تم وضعه فى اجتماع لقيادات إخوانية بقيادات «ثورجية» تم خارج مصر منذ أشهر.. وضعت فيه الخطة بانتظار الوقت المناسب.. وجاءتهم قضية الجزيرتين على «طبق من ذهب»، واعتبروها منصة الانطلاق، واختاروا شعار، «سلوجان»،: الأرض هى العرض، وقرروا استبعاد ظهور الإخوان بالصورة مع استخدام منصاتهم فى «السوشيال ميديا»، وكتائبهم الإلكترونية للترويج للمظاهرات، ودعوة الناس للخروج وتقديم الدعم المعنوى..
أعتقد أن خطتهم نجحت مؤقتاً، واليوم يباركون بعضهم، فرغم قلة العدد، ولكن حسب خطتهم الموضوعة، فإن النتائج أفضل من طموحهم.. ونجاحهم كان فى وجود عدد يخرج، أياً كان هذا العدد، بعد كانوا لا يستطيعون إخراج عدد يزيد على 100 نفر.. بالإضافة إلى نجاحهم الأكبر فى إبعاد الإخوان عن الصورة، وإظهار الإعلام المصرى بمنظر الإعلام غير الصادق، حيث أصرت أغلب القنوات على نسب المظاهرات للإخوان، بينما من خرج وشاهد المظاهرات بأم عينه أو حتى شاهدها عبر «الفيديوهات» المنتشرة فى «السوشيال ميديا» سهل عليه اكتشاف خلو المظاهرات من أى عناصر إخوانية صريحة.
حروب الجيلين الرابع والخامس التى نوه بها الرئيس السيسى فى خطاباته كثيراً.. أدواتها واضحة، أهمها رفع الروح المعنوية للأتباع، وإحباطها عند الخصوم، مع التشكيك فى معلومات إعلام الخصم وإظهاره بمظهر الإعلام «المطبل» الكاذب.. وللأمانة هم نجحوا فى ذلك يوم الجمعة، وبتفوق.
النظام المصرى الحالى يحتاج إلى قرار سريع بإنشاء جهاز إعلامى متخصص فى إدارة الأزمات، لديه صلاحيات واسعة فى رسم السياسة الإعلامية، وتوجيه الإعلام المرئى والمسموع والمقروء، صحف ورقية وإلكترونية، وسوشيال ميديا.. لأن المقبل من الأيام سيشهد أحداثاً مختلفة، أكيد لن تسقط النظام، وهذا ليس هدفهم.. بل كما قلت إجباره على الجلوس على طاولة المفاوضات مع إعطائهم جزءاً من «الكيكة»، بحسب مفهومهم الانتهازى النفعى..
لا يمكن إنكار نجاح ما خططت له المعارضة فى يوم الجمعة.. والنجاح فى مقياس من خطط لحراك الجمعة لا يعنى أعداداً مهولة، ومظاهرات حاشدة فى كل الميادين، بل الهدف هو إعادة رص الصفوف ورفع الروح المعنوية.. وللأمانة نجحوا فى ذلك، والنتيجة: (1- صفر)، حتى لو حاول البعض الحديث عن نتيجة مغايرة!