ملحمة «استصلاح الأرض»: فى 10 أشهر فقط.. الصحراء تتحول إلى «جنة خضراء»
بحار من سنابل القمح فى انتظار الحصاد خلال أيام
قبل 10 أشهر فقط، لم يكن هناك أثر على الإطلاق، صحراء جرداء على مرمى البصر على بعد أكثر من 650 كم من القاهرة و170 كم من الواحات البحرية، إلا أن 5 أشهر من التخطيط والدراسة بدأت فى يونيو 2015، تبعتها 5 أشهر أخرى من العمل المنضبط والمتقن الذى يسير على عقارب الساعة بدأت فى ديسمبر من العام نفسه، كانت كافية لتتبدل الصورة على أرض الفرافرة بمحافظة الوادى الجديد، وتتغير ملامحها تماماً، ليظهر اللون الأخضر إشارة للخير والتنمية وسط صحراء مصر الغربية المقفرة.
زراعة 10 آلاف فدان على أرض الفرافرة: الثلثان «قمح وشعير».. والثلث «خضراوات وفاكهة وزيتون»
وتقابل المناطق الخضراء منازل ومبانٍ باتت مجهزة فى انتظار ساكنيها، وتمتد إليها طرق حديثة وآمنة تشق الرمال، إنها ملحمة استصلاح الأرض التى صنعت هذه الصورة وحققت هذا الإنجاز بعقول وأيادٍ مصرية مائة بالمائة خلال مدة لم تتجاوز 150 يوماً.
المشهد من فوق متن الطائرة التى استقلها فريق «الوطن»، بصحبة اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، وعدد من قيادات الجيش والمسئولين، خلال جولته التفقدية لموقع منطقة الفرافرة بالوادى الجديد، قبل أيام من زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، المقررة 7 مايو المقبل، ليفتتح المرحلة الأولى من مشروع المليون ونصف المليون فدان ليشهد بدء موسم حصاد القمح، بدا أكثر تفصيلاً ووضوحاً على أرض الواقع، واللون الأخضر الذى ظهر من السماء ظهرت معه على الأرض ألوان أخرى مع الاقتراب منه خطوة خطوة، هى ألوان سنابل القمح وحبات الشعير وثمار الخضار والخضراوات والفاكهة.
اللواء كامل الوزير: استصلاح 21 ألف فدان جديدة خلال عام.. وسنراعى زيادة المساحات المخصصة للقمح
10 آلاف فدان، هى إجمالى المساحة الخضراء حالياً بالفرافرة، تنقسم إلى 5 آلاف لمحصول الشعير وألفين و500 فدان لمحصول القمح وألفين و500 فدان تتنوع بين محاصيل الكرنب والباذنجان والفلفل والبرتقال وأشجار الزيتون.
اختيار هذه المنطقة بالتحديد فى الصحراء الغربية لتشهد أولى مراحل مشروع استصلاح الأراضى الأضخم فى تاريخ مصر، لم يكن عشوائياً، لكنه خضع لدراسات وأبحاث علمية متقنة، يؤكد اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية، أنه تمت الاستعانة بدراسات وزارتى الرى والزراعة لاختيار منطقة الفرافرة تحديداً، واختيار أنواع المحاصيل المناسبة لتركيبة التربة، مشيراً إلى أن الدراسات أكدت أن الفرافرة من أفضل المناطق الصحراوية الصالحة للزراعة فى مصر على الإطلاق، خاصة أن المياه الجوفية بها غنية جداً وتتدفق بشكل ذاتى، والمناخ ملائم وجيد.
ويضيف: «قلنا لازم نخرج من النطاق الضيق فى وادى النيل والدلتا، الدنيا بقت زحمة والكثافة السكانية تتزايد، كان لا بد أن نخرج للصحراء، ولكن أى صحراء؟ فالقرار خضع لخطط ودراسات علمية وحديثة جداً تتعلق بالتربة ومياه الرى وطبيعة المناخ أيضاً».
من أمام إحدى المناطق المزروعة بمحصول الشعير الذى يستحوذ على نصف المساحة الخضراء بالفرافرة، قال «الوزير» إن اختيار الشعير تحديداً له أسباب علمية، منها أنه «زرعة استصلاحية» أى تسهم فى تحسين التربة، إضافة إلى أنه يدخل فى صناعات كثيرة مهمة، موضحاً أن السنوات المقبلة ستشهد بلا شك زيادة فى المساحات المخصصة للقمح بعد تحسن مستوى التربة التى تتم زراعتها لأول مرة.
المسافة بين أرض الشعير إلى أرض القمح حوالى 6 كم لا يغيب عنها اللون الأخضر، بالوصول إلى المنطقة المخصصة لزراعة المحصول الاستراتيجى الأهم بالنسبة لمصر، أكد «الوزير» أن سلالة القمح التى تمت زراعتها فى هذا المكان جديدة وعالية الجودة وتشمل حبات قمح قوية، متابعاً: «الله يبارك للشعب المصرى، هذه أول زرعة قمح فى أرض الفرافرة، السنابل قوية والسلالات جيدة وفقاً لأبحاث وزارة الزراعة، والإنتاجية متوقع أن تكون ضعف الإنتاجية الأخرى فى الأراضى الزراعية القديمة بالدلتا، هذه الأرض بِكر وخالية من الحشائش والحشرات الضارة والمناخ يساعد على الزراعة، والتربة لا تحتاج إلى مقويات»، وواصل «الوزير» حديثه الذى وجهه للمصريين قائلاً: «عايزين الناس تتأكد وتشوف، ماقلناش مليون فدان وماشتغلناش.. اشتغلنا واستصلحنا وزرعنا وهذه هى الثمرة الأولى».
ملحمة «استصلاح الأرض» لم تغفل الجانب العلمى والتقنى فى أى من خطواتها ومراحلها، من بين ذلك أنظمة الرى التى أشار إليها رئيس الهيئة الهندسية، موضحاً: «قررنا التنويع بين نظامين للرى، للتكامل بينهما، وهما الرى المحورى الذى قمنا باستيراد معداته من الخارج خصيصاً لهذا الغرض، ونستفيد منها فى رى 7.5 ألف فدان من المشروع، والرى بالتنقيط الذى نستخدمه فى المساحة المتبقية وهى 2.5 ألف فدان»، يعتمد المشروع فى توفير مياه الرى بصورة كاملة على آبار المياه الجوفية، التى تصل أعدادها إلى 160 بئراً بالفرافرة القديمة تم تنفيذها بنسبة 100% باستثناء 12 بئراً نُفذت بنسبة 30%، إضافة إلى 50 بئراً أخرى واقعة فى منطقة الفرافرة الجديدة وتم تنفيذها بنسبة 100%».
التوقيتات الزمنية تعتبر العنصر الأكثر دليلاً على مدى الإنجاز الذى تحقق على الأرض، ولا تزال فصول أخرى منه فى انتظار التنفيذ الفترة المقبلة، سرعة فى التنفيذ وانضباط فى التسليم سمتان غالبتان على مشروع استصلاح الـ10 آلاف فدان بمنطقة الفرافرة، فأوضح «الوزير» أنه فى الأول من ديسمبر الماضى لم يكن هناك أى عمل قد بدأ على أرض التنفيذ، فيما شهد يوم 3 من الشهر نفسه بداية أعمال زراعة القمح، وفى 30 من نفس الشهر دشن الرئيس عبدالفتاح السيسى المشروع ووضع حجر الأساس، متابعاً: «إحنا بدأنا التخطيط والدراسة والبحث من شهر يونيو الماضى، وخدنا الأمر وبدأنا بالفعل تنفيذ البنية التحتية من حفر آبار وشق طرق وإنشاء خزانات مياه ومع بداية ديسمبر قلنا إحنا جاهزين، لكن الرئيس السيسى رفض أن يضع حجر الأساس قبل البدء الفعلى فى المشروع، فبدأنا يوم 3 ديسمبر الزراعة بالفعل، وقام الرئيس بتدشين المشروع فى نهاية الشهر، والآن بعد مرور 4 شهور على وضع حجر الأساس انتهينا تماماً من زراعة المساحة المستهدفة وهى 10 آلاف فدان، وننتظر إشارة الرئيس لبدء حصاد القمح مع زيارته التى سيجريها إلى هنا بعد أيام».
فى ظل تآكل الرقعة الزراعية التى تعرضت له مصر خلال العقود الماضية، يكون استصلاح أراض جديدة للزراعة هدفاً مشروعاً ومهماً فى حد ذاته، إلا أن اللواء كامل الوزير أكد أن الهدف الأساسى من هذا المشروع هو توفير فرص عمل للشباب، سواء من خلال تملك الأراضى الزراعية أو العمل مع مستثمر أو بالتعاون مع القوات المسلحة.
وأوضح أن الأنشطة فى الفرافرة لا تقتصر على النشاط الزراعى فقط، لكن أيضاً هناك نشاط حيوانى سواء ماشية أو دواجن، ونشاط صناعى يتعلق بالصناعات الزراعية، مشدداً على أنه من المقرر وصول المساحة الخضراء المزروعة إلى 31 ألف فدان مايو 2017، أى باستصلاح 21 ألف فدان جديدة خلال عام واحد يبدأ من الآن.
تتخذ مساحات الـ10 آلاف فدان التى جرى استصلاحها دوائر كبيرة يغمرها اللون الأخضر، بعضها خاص بمحصول الشعير الذى يظهر على مرمى البصر والأكثر حضوراً نظراً لاتساع المساحة المخصصة لهذا المحصول التى تشمل نصف المساحة الإجمالية للمشروع، ودوائر أخرى كبيرة أيضاً تضم القمح الذى أصبح جاهزاً للحصاد، وبين تلك الدوائر الكبيرة للشعير والقمح مساحات فاصلة هى التى تم تخصيصها للمحاصيل الأخرى المتنوعة بين خضار وخضراوات وفاكهة، وأمام كل هذه المشاهد تتآكل الصحراء وتغيب تماماً برمالها الجرداء وصورتها الموحشة.