جبهة «الثرثار»: هنا تم سحق «داعش»
جبهة «الثرثار»: هنا تم سحق «داعش»
منذ هرع الجيش والشعب العراقى لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابى، كان التنظيم قد سيطر على كامل المنطقة الغربية الشمالية للعراق، حتى وصل إلى «حزام بغداد المشجر»، الذى يعتبر جحيماً أخضر يصعب دخوله أو السيطرة عليه، ما زال القناصون عالقين على غصون الأشجار وخلف جريد النخل، ولكى لا يطوق التنظيم العاصمة كان على العراقيين محاربته وشن هجوم صيفى باتجاه الشمال الغربى، وقتاله فى الصحراء والرمال الحارة، وبالكاد كان هناك من يدفع الثمن.
أكبر انسحابات التنظيم الإرهابى منذ بدء الحرب.. والتراجع 60 كيلومتراً فى يومين.. والخنادق تحتفظ بأطباق طعام «الدواعش».. و«صواريخ حرارية وقذائف هاون وبطاطين ووسادات» مخلفات «تنظيم الدولة»
فى الصحراء وعلى بعد 100 كيلومتر من بغداد جرت إحدى المعارك الطاحنة، اندحر فيها تنظيم «داعش»، تاركاً خلفه خنادقه التى لا تزال تحتفظ بأطباق طعامهم وزجاجات المياه ووسادات وبطاطين، تحتاج الحرب فى هذه الصحراء إلى معدات ثقيلة كالدبابات والمدرعات لقصف أماكن الاختباء والحصون الداعشية، لكن فى الوقت نفسه تحتاج هذه النوعية من الحروب إلى جندى جرىء يمكنه تسلل الجسور ومحاصرة الحصون والخنادق والقتال بشجاعة، جرت تلك السياسة العسكرية تجاه إبعاد «داعش» نحو الغرب وعلى أثرها تم تحرير «عزيز بلد والكرمة والضابطية» وطول المدن والقرى الواقعة بين بغداد والفلوجة وحتى «ناظم التقسيم»، ومن هذه النقطة جرت إحدى أكثر المعارك ربحاً للأرض، حيث توافر الشهر الماضى العنصر الثقيل والبطىء فى هذه الحرب من جانب الجيش العراقى، حيث وجهت دباباته مقدمتها ومدافعها نحو «الثرثار» وتقدمت ويتبعها الجنود لشن أكبر المعارك ربحاً للأرض.
«الوطن» تستعين بخبير مفرقعات لدخول «الثرثار».. والقوات العراقية اصطادت انتحاريين داخل مدرعة برمائية.. والعثور على جثة إرهابى من «التنظيم» حاول تفجير نفسه فى وحدة عسكرية قبل أن تصطاده كاميرات ورصاص قوات «الحشد الشعبى» وتأكله الكلاب
بمدفعها الهائل 120 ملم وعجلاتها العريضة حضرت الدبابة الأمريكية «m1 a1» إلى جبهة الثرثار، وحش يزن 65 طناً يستطيع الذهاب إلى أى مكان، تهيأت لخوض القتال والتقدم نحو الصحراء باتجاه بحيرة الثرثار ولتحرير كامل الطريق المؤدى إليها من قبضة «داعش»، كما تهيأ على الطريق عدد من المركبات المدرعة للوصول إلى العمق، لا تزال هذه المعدات الثقيلة موجودة لكن يتم تحريكها بين الحين والآخر، ورصدتها «الوطن» على الطريق المتجه مباشرة إلى الثرثار. خلف المعدات الثقيلة للجيش العراقى كانت سرايا الحشد الشعبى تتأهب لبدء الاشتباك، فى مقدمتها «سرايا الجهاد وعاشوراء ولواء المنتظر التابع للحشد الشعبى»، دقت طبول الحرب وبدأت المعارك وشاركت قوات الحشد مع الجيش فى تحرير طريق بلغ 60 كيلومتراً، وللدخول إلى أرض هذه الحرب كان يجب الوصول إلى جسر ناظم التقسيم ثم الانطلاق نحو بحيرة الثرثار، وبعد اتصالات مع الجهات المختصة تمكنّا من الحصول على تصريح بمساعدة سرايا الجهاد، التى كانت لها السيطرة على هذه الجبهة والتى وصلت قواتها إلى ضفة نهر دجلة الذى يلقى بذراعه نحو بحيرة الثرثار ليتغذى منها. قطعنا الطريق من غرب بغداد ووصلنا إلى أحد تمركزات سرايا الجهاد، التى تقع على يسار الطريق الواصل إلى الفلوجة، بين منطقتى سبع البور والكرمة، دخلنا بسيارتنا ذات الدفع الرباعى إلى إحدى الوحدات العسكرية التابعة لسرايا الجهاد، حيث سارت السيارة متعرضة لهزات عنيفة إثر تعرج ممر قصير يصل طوله نحو 300 متر فقط، توقفت سيارتنا وكان يرافقنا محمد مزهر الشهير بـ«أبوسجى» وكان دوره يتلخص فى عبور السيطرات الأمنية الواقعة على طريق الكرمة، حيث تنتهى سلطته إلى هذا الحد ليأتى دور أخيه أحد جنود سرايا الجهاد، الذى انتظرناه داخل وحدته العسكرية حتى يرافقنا كتصريح لعبور السيطرات الأمنية المقبلة حتى الوصول إلى جبهة الثرثار، وبالصدفة وقفت سيارتنا داخل الوحدة العسكرية إلى جانب إحدى ناقلات الجنود المدرعة التى سرقها «داعش» من الجيش وخاض بها معارك واستردتها سرايا الجهاد فى المعركة الأخيرة فى الثرثار قبل أيام من وصولنا.
الجيش يأسر مدرعة من «داعش».. و«الوطن» تفحصها
توافر لدىَّ الوقت الكافى لصعود المدرعة والتسلل داخلها وفحصها قبل أن يخرج إلينا المرافق الثانى، حيث صعدت أعلاها وهبطت إلى داخلها من فتحة السقف الأمامية، حيث توجد بها فتحتان فى السقف يركب منهما السائق والقائد فيما وُضع محرك هذه المعدة فى منتصف جسمها خلف مقصورة القيادة، وفى الخلف توجد مقصورة الركاب التى تتسع لـ10 أو 11 جندياً أو لحمل نحو 3 أطنان من المواد الصلبة الثقيلة، درع هذه المعدة ليس سميكاً ليكون مضاداً للقواذف المتفجرة، بل إن سمكها يتراوح ما بين 5 ملم إلى 10 ملم تقريباً، يحميها فقط من طلقات الأسلحة الخفيفة وشظايا القنابل وقذائف الهاون، ووفقاً لهذا الفحص فهى مدرعة من طراز «MT- LB» ومركبة برمائية متعددة الأغراض تزن 12 طناً، سوفيتية الصنع وصنعت فى ستينات القرن الماضى، وهى رخيصة الثمن وسهلة الصنع، فمحركها صنع بالأساس كمحرك شاحنة فى مصنع جرارات «كاراكوف» ببولندا ثم تم تركيبه فى هيكل هذه المدرعة، وكانت الوحدات البرية العراقية تمتلك منها 1500 مركبة، وبمجرد الانتهاء من فحص هذه المركبة والخروج منها، كان المرافق الجندى ويدعى رسول مزهر الربيعى، قد وصل حاملاً على يديه «بزة» عسكرية أعطاها للسائق ليرتديها حتى لا نثير الشك فى كل سيطرة نقابلها.
يروى «مزهر» قصة استرداد المدرعة بأنها تمت فى أولى معارك حرب «الثرثار» فى 14 مارس الماضى، التى وقعت فى منطقة «البوعزيز» بعد 10 كيلومترات من جسر ناظم التقسيم، حيث كان يقودها سائق يرتدى حزاماً ناسفاً، فيما كان يركب فى الخلف 4 جنود، وبالمدرعة شحنة كبيرة من المتفجرات، كان مخططاً أن تقترب المدرعة من الخطوط الأمامية وتسمح للجنود بالنزول بالقرب منها، ثم يقود السائق المدرعة بسرعة وينفذ عملية انتحارية فى الصفوف الأولى، ويغطى الأربعة جنود الآخرين الهجمة الثانية من قوات داعش، لكن هذه الخطة أُحبطت بعد أن تمكن قناص من الجيش العراقى من تسلق إحدى التبات العالية وضرب رأس السائق، ما جعل المركبة تتوقف وارتبك الجنود بداخلها فاضطروا للخروج منها وقام باصطيادهم واحداً تلو الآخر ببندقية «شاهر» وهى بندقية قناصة إيرانية الصنع، عيار 14.5 ملم يمكنها ضرب الأهداف من على مسافة 4 كيلومترات، وتقدمت القوات العراقية وتم سحب الانتحارى وتفكيك حزامه الناسف، وإبطال المفخخات التى كانت بالمدرعة وجلبها إلى المعسكر لاستخدامها فى أى معارك مقبلة.
خيانة قائد لجنوده
شارك «مزهر» فى الكثير من المعارك التى خاضها الجيش والحشد الشعبى ضد «داعش» وتعرض لحوادث عدة كُتب له النجاة فى كل مرة ليواصل مسعاه فى محاربة التنظيم، بل إنه خاض معارك ضد «داعش» حينما كانت خلايا نائمة تعبث بأمن البلاد، فقد كان جندياً بالجيش العراقى منذ 2011، وكان فى منطقة الزيدان بالكرمة الواقعة بين بغداد والفلوجة، وتعرض خلال سيره فى دورية مترجلة إلى إطلاق نار كثيف قام على أثرها هو ورفاقه، الذين بلغ عددهم 15 بتبادل إطلاق النار مع الإرهابيين، حتى اختبأوا فى إحدى المدارس وظلوا يقاومون الهجوم مدة 4 أيام متواصلة، حتى إن كل جندى منهم لم يتبق معه سوى 10 أو 17 طلقة، وهو لم يكن يمتلك سوى 5 طلقات، وقالوا إنهم سيقتصدون فى ذخيرتهم حتى وصول الطائرة، فيما اشتد الهجوم عليهم فأطلق 4 رصاصات واحتفظ بالأخيرة ليظهر نفسه خلال إطلاقها حتى يتم قتله برصاص «داعش» بدلاً من أن يتم أسره وذبحه، وفى اللحظات الأخيرة وصلت الطائرة ولكن لحظة صعوده إلى الطائرة أطلق عليه القناصة طلقتين، إحداهما فى الكتف اليسرى والأخرى فى الجانب الأيمن، وأصيب ثلاثة آخرون وقتل 6 ونجا 6 آخرون، وتم علاجه وعاد إلى عمله جندياً بالجيش.
يضيف «مزهر» أنه رأى الموت للمرة الثانية بعد إصابته إصابة خطيرة وقت ظهور «داعش»، حيث كان فى منطقة الملعب بالفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار، وقت سقوط الموصل، وكان قائده بعثياً، أى من حزب صدام المتهم بالتواطؤ مع «داعش»، وحينما تقدم «داعش» إلى الفلوجة تركهم قائدهم دون إبلاغ القيادة المركزية بحاجتهم إلى الدعم الجوى أو المعدات الثقيلة، ولم يجب عن أى من أسئلتهم أو نداءاتهم عبر أجهزة اللاسلكى، حتى يحاصرهم «داعش» ويقضى عليهم، ظل هو وفرقته المكونة من 300 جندى فى القتال والمرابطة فى المنطقة العسكرية مدة 17 يوماً حتى نفد منهم الطعام والشراب والذخيرة، وأطلق «داعش» على الموقع الذى كان يختبئ به قذيفة 106 هدمت عليهم المبنى، ما تسبب فى قتل 20 من أصدقائه وإصابته بإصابات خطيرة وكسور فى كل أنحاء جسده، انسحب وقتها الجيش وترك الفلوجة، بعدما علم بخيانة القائد، وذهب هو إلى إيران لتلقى العلاج حتى عاد إلى العراق بعد 6 أشهر من الحادث، ليجد فرقته تم حلها وانخرط فى الحشد الشعبى بسرايا الجهاد الذى قرر أن يمركزه فى المنطقة التى خدم بها خلال الجيش وهى «الكرمة» وفيها خاض معارك ضارية سميت باسم «بنات الحسن»، حيث يعرف خبايا كل شبر على هذه الأرض.
وذكر أنه تعرض للموت المحقق خلال اشتباكات جرت فى منطقة الكرمة، حيث تمت محاصرته مع 21 جندياً آخرين من قوات الهجوم، بعد أن انسحبت قوات الإسناد التابعة لهم وتركتهم فى حصار «داعش»، متابعاً: «وقتها علمنا بالموت المحقق، وقتل منا 15 رجلاً وبقينا 7، وقاومنا 20 ساعة حتى نفد الشراب وحل الليل علينا وكنا نتبادل التغطية، وكنت أمزح مع صديقى وأقول له من الذى سيُقتل فينا الأول، أنا أم أنت، فيقول لى أنت الأول وأنا بعدك بنصف ساعة، فأرد وأقول لا، أنت الأول وأنا بعدك بعشر دقايق»، مشيراً إلى أنه كان يتصل بأسرته يبلغها قبل أى هجوم حتى إذا تم قتله وأخذ الدواعش هاتفه لا يتصلون بأهله ليطلبوا فدية، قائلاً: «ساعات «داعش» تطلب فدية لتسلم جندى وهو ميت فيأخذوا المال من أهله، فأنا أتصل بأسرتى لتعلم أنه لو لم أقم بنفسى بالاتصال بهم وقام بذلك شخص آخر يعلمون أننى ميت ولا داعى للتفاوض على تسليمى».
وكغيره من الشباب المقاتلين الذين وهبوا أنفسهم للدفاع عن بلدهم من سقوطه فى يد «داعش»، ترك حبيبته بعد أن خطبها وكان موعد الزواج قد اقترب بنحو أربعة أشهر فقط، لكن ظهر «داعش» واندلعت الحرب وأصيب، وبعدما عاد من رحلة العلاج إلى إيران ذهب إلى خطيبته وأهلها، متابعاً: «قلت لها أنا ما أقدر أتزوجك وأنا على الجبهة، مو خوف على أى شىء إلا أنتى، وقلت لأهلها أنا سأجاهد لأن الجهاد أبدى، وبنتكم حرة زوجوها أو خلوها، لكنى جئت أبلغكم حالى»، مشيراً إلى أنه لا يتمكن من الزواج وهو يقاتل على الجبهة بمدة 40 أو 50 يوماً ثم يعود إلى المنزل 4 أو 5 أيام فقط لرؤية أهله ثم يعود إلى الجبهة مجدداً، موضحاً أنه خشى أن يترك حبيبته أرملة بعد الزواج مباشرة أو أن يفقد جزءاً من جسده فيصبح معاقاً و«يميل بختها»، وكان يأمل أن تنتهى الحرب بسرعة ليعود إلى زواجها لكنها تزوجت قبل ثلاثة أشهر فقط وانتهت القصة.
تفجير الجسر
قطعنا بالسيارة نحو 30 كيلومتراً حتى وصلنا إلى جسر ناظم التقسيم ثم اتجهنا يميناً لسلك طريق الثرثار، الذى جرت عليه أكثر المعارك حسماً وهزماً لـ«داعش»، حيث سلمت «داعش» طريقاً يصل طوله إلى 60 كيلومتراً فى يومين فقط، انعطفنا يميناً من الجسر لندخل إلى مدق صخرى بين تبتين عاليتين يصل طوله نحو كيلومتر واحد، يوضح أن الطريق تم شقه بين جبل قليل الارتفاع، ثم فى نهاية الطريق ننعطف يميناً لنشاهد تدمير جسر الثرثار، وهو الجسر الذى يربط الثرثار مع الكرمة والفلوجة وبالكاد العاصمة بغداد، قام «داعش» بتدمير الجسر بعد انهزامه فى معركة ناظم تقسيم وفقدانه أكثر المناطق استراتيجية، حيث لغم الجسر الذى أقيم على شق أرضى كبير وقام بتفجيره، كان على القوات حينها أن تنعطف نحو اليسار وتعبر الجسر المهدم لتسلك الطريق إلى بحيرة الثرثار، تمكنت الهيئة الهندسية بالجيش من وضع عوارض حديدية ضخمة تربط ضفتى الجسر لتتمكن المعدات وآليات الجيش من العبور، وعبرنا من على تلك العوارض التى مرت منها الدبابات والمعدات ووضعنا على الطريق الذى يذهب مباشرة إلى الثرثار.
هذا الجسر كاملاً أقامه الجيش فى ساعات قليلة قبل بدء الهجوم على الضفة الثانية منه، وبعد عبورنا وسيرنا بضعة كيلومترات كان ينتظرنا معاون آمر «فوج فجر»، التابع لسرايا الجهاد، لم نعرف اسمه الحقيقى بل كان لقبه «أبووطن»، كان مرابطاً مع فوجه على خط الجبهة، ووفقاً للتصريح الذى حصلنا عليه بدخول الثرثار اصطحبنا فى جولة ليروى لنا على طول الطريق المباشر ما تركه الدواعش خلال فرارهم هاربين وما خلفوه وراءهم من منازل مهدمة وخنادق محروقة وأسلحة ملقاة على الرمال، كانت أول ما شوهد من هزيمة «داعش» إحدى النقاط التى اختارها التنظيم تمركزاً له، حيث منزل كبير مهدم وخنادق على جانبى الطريق لا تزال تحتوى على بعض من أغلفة الطعام الجاهز من أطباق «الِفل» وزجاجات المياه وبعض الوسادات والأغطية، وكانت الجحور صغيرة لا تتسع سوى لثلاثة أمتار، منخفضة عن سطح الأرض، وبها دارت أولى المعارك فى اليوم الأول من الهجوم، حيث تبادل طرفا الحرب النيران الكثيفة، التى استخدمت فيها قذائف الهاون بكثافة، حيث كانت آثار قذائف الهاون منتشرة على الطريق الأسفلتى، كما رأينا بعضاً من شظايا القذائف لا تزال موجودة، مع طلقات خارقة من عيار 23 ملم، التى كانت تخترق الدروع والجدران.
«رسول»: قُتل معظم أصدقائنا أمامنا.. وكنت أمزح مع صديقى ونتشاجر عمن سيموت الأول.. ومقاتل من «الحشد» يغضب لسؤاله عن وجود إيرانيين فى صفوف قواته: «أرفض ذلك» والعراق بها رجال
يشير «أبووطن» بيديه إلى الخنادق، قائلاً: «ترى جحورهم كانوا يختبئون بها، أما المبانى فقد قاموا بتدميرها وفق عاداتهم القذرة فى تخريب وتدمير كل شىء خلفهم»، موضحاً أن العملية كان هدفها هو إرجاع العائلات إلى منازلها وأراضيها وتطهير كامل أراضى جنوب بحيرة الثرثار من الدواعش، وأنه أثناء العملية العسكرية المشتركة بين الجيش والحشد الشعبى لطرد الدواعش من الثرثار، اضطر الدواعش فى بعض المناطق لترك أسلحتهم للهروب والانسحاب السريع»، متابعاً: «كل خندق تركوه كان يضم تقريباً 6 رجال، وكان لديهم 30 خندقاً على هذا الخط من القتال، حيث كانوا يقومون بهجوم على سرايا الجهاد، ثم العودة والاختباء بهذه الخنادق، والنوم فى ملاجئهم»، لافتاً إلى أن القوات المشتركة نفذت هجوماً تكتيكياً واسع المدى، ما أربك الدواعش أثناء انسحابهم وتركوا كل معداتهم تقريباً، قائلاً: «عثرنا على الكثير من الأسلحة مثل الهاون والكاميرات الحرارية، وهم أقاموا مصانع غذائية لجنودهم كما عثرنا على المعلبات مكتوب عليها ولاية نينوى».
خطة جريئة
استأنفنا التقدم بنفس الخط الذى سارت عليه القوات قبل أيام وخلال المعركة، وشاهدنا الحطام وبقايا مخلفات «داعش» الملقاة خارج الخنادق، وكأن القوات أمامنا تنفذ عملياتها، فوُسم كل خندق بالحروق البالغة بينما ملقاة خارجه بعض محتوياته الداخلية من وسادات وأغطية وأحذية الجنود المخروقة، كانت العواصف الهوائية تدفعنا إلى الأمام وإلى الخلف، كنا نختبئ منها داخل السيارة، كانت خيام الجنود على وشك الاقتلاع من الأرض لكنهم حافظوا على ثباتها فى هدوء تام وأكدوا ربطها، وعلمت أن هذه المنطقة الصحراوية المفتوحة تعانى غالباً من الهواء الطلق، وعلمت من المرافق الأول «أبوسجى» أن هذه المنطقة المفتوحة مكنت الجيش العراقى، بالتعاون مع قوات الحشد الشعبى، من تحقيق نصر حاسم على «داعش»، بعد أن وضعت خطة بالهجوم عبر الطريق الرئيسى، وقد علم بها «داعش»، فتأهب وكثف قواته على الطريق المباشر إلى بحيرة الثرثار، لكن قبل ساعات من القتال أرسلت عمليات الجيش فرقها مع الحشد الشعبى لمهاجمتهم من كل الجهات وعبر الصحراء المفتوحة، وكانت خطة جريئة بخوض القتال فى الساحات المفتوحة دون أى خنادق أو سواتر تحمى الفرق من نيران العدو، لكن بالكاد كانت الآليات الثقيلة على الطريق الأسفلتى أكثر مباغتة، إذ هاجمت بمدافعها وطلقاتها الحصون الداعشية، ما أربك رجال «داعش» وأجبرهم على الانسحاب. تلجأ القوات العراقية، سواء الجيش أو الحشد الشعبى، إلى صورة لمواقع العدو قبل بدء الهجوم بساعات، وفى الوقت الذى غيرت فيه الخطة كانت قد أطلقت «طائرة سيارة»، وهى طائرة مراقبة مزودة بكاميرات تزن 20 كيلوجراماً فقط، ومزودة بكاميرات ليلية وحرارية متطورة، تمكنت من التحليق فوق الدواعش والتقاط الصور وإرسالها فى الحال إلى قادة العمليات، كان إطلاق الطائرة فى الساعات الأولى من الليل وقامت بالتحليق المنفرد أربع مرات لرصد تحركات «داعش»، حيث يقول «أبوسجى»: «الطائرة تحلق قبل الهجوم بـ7 ساعات ثم 5 ساعات ثم 3 ساعات ثم ساعة حتى نرى تحركات «داعش» وخططهم»، بدأ الهجوم فى الرابعة فجراً واستمر مدة يومين فى قتال شرس بالأراضى المفتوحة، تكبد الدواعش خسائر كبيرة واضطر إلى الانسحاب 60 كيلومتراً إلى الخلف، مخلفاً وراءه دماراً لكل معدة أو بناية أو منزل للأهالى، مشيراً إلى أنه يعد أكبر انسحاب فى تاريخ الحرب، حيث اعتادت القوات على التقدم أو التراجع بحسب الوضع العسكرى، وأن أى تقدم يكون بمسافة 10 كيلومترات فى أسبوع أو أسبوعين، مؤكداً أن أكبر الهزائم الداعشية جرت على هذه الأرض، مشيراً إلى أن الجيش تمكن من بناء الجسر بعوارض حديدية كبيرة، مدها على الضفة الثانية من الجسر المهدم حتى عبرت عليها الآليات، كما أسقطت طائرات «داعش» السيارة المراقبة، وأن طائرات المراقبة للجيش العراقى مكنت من وضع إحداثيات بالمتر لضرب الدواعش خلف الأهالى دون أن يصاب أحد من العوائل. وبوصولنا إلى إحدى المناطق الأكثر انخفاضاً، التى بها جسر طبيعى، كان أحد التمركزات العسكرية التى كان ينصبها «داعش» وأصبحت لقوات الحشد الشعبى، وفرت هذه التبة موقعاً استراتيجياً عسكرياً، واتخذتها فرقة لواء المنتظر التابعة للحشد الشعبى مقراً، حيث نصبت عليها الخيام، وأسست موقعاً دفاعياً باتجاه البحيرة، كانت بقايا مخلفات «داعش» لا تزال موجودة أمامها، حيث بقيت مخلفات الهاون وكانت إحدى أكبر قذائف الهاون من عيار 120 ملم ملقاة على الأرض وكذلك صاروخ حرارى، باقترابنا من الخيمة هب الجنود واقفين وبعد رؤيتهم للزى العسكرى رحبوا بنا وأدخلونا إلى الخيمة لاستضافتنا.
«أبوعلى» رأى صديقه يذبحه «الدواعش» على «النت» فأقسم على الثأر له.. وجاء من جنوب العراق ليتقدم أول خطوط الجبهة فى «الثرثار».. و«أبووطن»: «داعش» أقام مصانع أغذية لجنوده وحصلنا على عبوات مكتوب عليها «ولاية نينوى».. و«مزهر»: إذا عثر «داعش» على هاتف ضحية يتصل بأهله ويطلب فدية.. وأتصل بأسرتى قبل أى هجوم لتعلم أننى مت إذا خاطبها شخص غيرى ولا تنخدع بدفع الفدية.. وتركت خطيبتى لأنى خشيت أن تصبح أرملة
أبوكاظم الدراجى
يجلس داخل الخيمة بلحية بيضاء كثة وملامح قوية وعينين مفتوحتين تعلوهما حواجب سوداء كثيفة، وبصوت أجش يتحدث أبوكاظم الدراجى، أحد قادة لواء المنتظر المسئولة عن تأمين منتصف طريق الثرثار، كان يحتفظ بخنجره معلقاً بجانب فخذه، بينما كان يحرسه جنديان، أحدهما يحمل بندقية هجومية والآخر يحمل عروس الجبهات الـ«بيكا»، وهو مدفع رشاش سريع ذو شريط مسند إلى صندوق كبير بإمكانه حمل أكثر من 200 رصاصة، يمكنه الرش السريع على الجبهات، وإحداث إرباك كبير للعدو، هذا السلاح يطلق عليه المخططون الحربيون وفى الغرب «عروس الجبهات» لكن هنا فى العراق لم يطلقوا عليه هذا الاسم، بالكاد يقدرون قيمته، رحب أبوكاظم بمصر وأبدى إعجابه بشعبها وجيشها، وقال: «إنه شعب قوى ويحميه جيش أقوى، يمكنه القتال بشجاعة أحبها».
ويضيف «الدراجى» أنه شارك فى عدد من المعارك كانت آخرها معركة الثرثار، التى تولى فيها الحماية الآن، أى الحراسة، مشيراً إلى أن العوائل كان يستخدمهم «داعش» دروعاً بشرية خلال المعركة، لكن بعد هزيمتهم تمت مساعدة الأهالى وجلب الطعام لهم بسيارات الجيش والحشد، متهماً إسرائيل والولايات المتحدة وبعض دول المنطقة كتركيا وقطر والسعودية بدعم الإرهاب فى العراق، متابعاً: «أرادوها حرباً بين السنة والشيعة والآن الحشد يضم السنة، والسنة يرتمون فى أحضان الشيعة هروباً من «داعش»، وفى الثرثار كانت سيارتنا تحمل الطعام والشراب للأهالى وتنقلهم بعيداً عن المناطق الخطرة».
الكلب يأكل الجثة
أراد «الدراجى» أن أشهد على محاولات «داعش» الانتحارية واصطحبنى إلى منطقة بالقرب من أحد تمركزات لوائه العسكرية، حيث جرت محاولة انتحارية من جانب داعشى حاول تفجير نفسه بالقرب من جنوده، عدنا إلى الخلف نحو 8 كيلومترات، تركنا سياراتنا على الطريق وانعطفنا نحو الصحراء فى حذر ويقظة تامة، كان يتقدمنا خبير مفرقعات تم إرساله معنا خصيصاً لمراقبة المفرقعات والألغام، تقدم أمامنا وكان يأمرنا بأن نسير خلف خطواته، شاهدت كلباً يعوى علينا من بعيد لم أفهم سبب وجوده فى هذه المنطقة، إلا حينما اقتربت وسارعت أنفى بالتحسس والإدراك قبل عينى، فقد بدأت تظهر رائحة كريهة عفنة أكدت عيناى بعد عدة أمتار سببها برؤية بقايا جثة متعفنة لأحد الدواعش الانتحاريين الذى كان يرتدى حزاماً ناسفاً وحاول أن يفجر نفسه فى أحد التمركزات العسكرية.
حاولت البحث عن الرأس لأنه غير موجود، لكن خشيت أن أدخل إلى منطقة بها مفخخات، خاصة أن المنطقة غير نظيفة، أى لم نتأكد من خلوها من المفخخات والألغام، وحذرنا منها خبير المفرقعات الذى كان يرافقنا، بقى من الجثة كل شىء عدا الذراع والرأس والأكتاف، كان يرتدى الحزام الناسف، لكن وفقاً لرواية «الدراجى» كان يتقدم فى الليل لكن جنوده رصدوه بنظاراتهم الليلية وأطلقوا عليه طلقات عيار 23 ملم الفتاكة، ما أحدثت به خرقاً فى صدره يبلغ قطره نحو 15 سم، ثم تابع الجنود إطلاق النار عليه لتفجير حزامه حتى انفجر وطار الرأس وإحدى ذراعيه بينما سقطت ذراعه الأخرى بجانبه، ويبدو أن الكلاب اتخذته وجبة دسمة لها فى هذه الصحراء.
عدنا على نفس خطواتنا إلى عرض الطريق لنستكمل السير نحو خط الجبهة الواقعة على النهر، ودعنا أبوكاظم الدراجى، وسألنى قبل مغادرته: «هل تعلمون ما يجرى هنا فى العراق؟»، وأجبته «لدى البعض اعتقاد بأن إيران هى التى تحارب «داعش» وأن الحرب بين السنة والشيعة»، غضب الرجل الكبير وقال: «لا أسمح لأحد بذلك نحن رجال العراق، بها رجال لا تحتاج لأحد، ونحن قادرون عليهم بإذن الله»، وأوصانى بتوجيه رسالة للعالم بأن المتآمرين على العراق كثيرون ويحاولون بث الفتنة بين السنة والشيعة، وأقسم أنه لا خلاف بين المذهبين وأن الأهالى يتعايشون معاً فى سلام وأمان، ثم ركب سيارته مع حراسته وغادر إلى وجهته العسكرية، بينما لا يزال يعقد حاجبيه غضباً مما يثار من خلاف مذهبى داخل العراق.
استأنفنا المضى إلى الأمام وكانت سيارة «أبووطن» تتقدمنا ومعه خبير المتفجرات ويدعى «أبوذر» يجلس إلى الأمام لمراقبة أى عبوات ناسفة على جانبى الطريق، فجأة توقفت سيارتهم وترجل منها الخبير متجهاً نحو برميل أزرق على جانبى الطريق، تحسس عليه من الأعلى ثم فتح غطاءه بعدما راقب وجود أى أسلاك مربوطة به، كنت فى السيارة، وسكب مادة فضية، قال «إنها نترات الأمونيوم، وقمت بإبطال هذه العبوة الكبيرة من قبل لكن يجب أن أتفحص أى شىء دائماً قبل فتحه»، مشيراً إلى أنها كانت تستهدف مدرعة القوات أثناء دخولها بعد أن تم توصيلها بخط التفجير على الطريق، وسكبها على الأرض حتى لا تثير الذعر فى أى من القوات السيارة التى تمر على الطريق، كإشارة بأنها تم إبطالها.
انعطفنا إلى مدق ترابى وكان به السائق والأخوان ممثل الجهة السيادية «أبوسجى» وأخوه «مزهر»، أكدوا لى أن بهذا المدق يعنى أننا اقتربنا من خط الجبهة الواقعة على نهر دجلة، وأن فى هذه المنطقة الأخيرة كانت العوائل التى تسكن إلى جانب النهر فى خيام لرعى الغنم والزراعة تخرج رافعة الأعلام البيضاء حتى لا يقوم الجيش بضربها، وأنه كان يتم تفتيشهم وترحيلهم فى سيارات تابعة لقوات الجيش والحشد الشعبى إلى الخلف.
وفى دقائق وقبل وصولنا إلى ضفة النهر عند خط الجبهة الأمامى، شرح لى «أبوسجى» كيف كان يتعامل الجيش والحشد بحذر مع الأهالى وعدم إراقة قطرة دم فى هذا الطرف البرىء، موضحاً أنه كان يتم استخدام الطائرات السيارة المتطورة فى تصوير «داعش» وهو يجمعون الأهالى أمامهم ويطلقون قذائفهم لإجبار الجيش والحشد على عدم الرد خوفاً على الأهالى، فكانت الطائرة تصور المعركة وتقيس المسافة بين «داعش» والأهالى وتظل معلقة فى السماء لتوجيه القذائف بدقة نحو تمركزات «داعش» وخلف أهالى المنطقة، مؤكداً أنها كانت الطريقة الناجحة فى الحفاظ على الأهالى، مشيراً إلى أن الدواعش كانوا يستخدمون بعض الطائرات السيارة لكن كان يتم قنصها بعيارات كبيرة حتى إسقاطها، لافتاً إلى أن هذه المنطقة الصحراوية كانت بها أشجار، وكانت مزاراً سياحياً لكن «داعش» حولوها إلى خراب بعد أن قامت كل الأطراف المتنازعة بقطع الأشجار وحرقها حتى لا يختبئ فيها القناصون. وصلنا إلى خط الجبهة ورأت عيوننا نهر دجلة المتصل ببحيرة الثرثار، إحدى أكبر بحيرات العراق، كانت الخيام قليلة ومتباعدة على ضفة النهر، بينما كانت أسلحة البنادق موجهة نحو الضفة الأخرى، وجنود يتابعون بأعينهم كل كبيرة وصغيرة تتحرك على ضفة «داعش»، يتابع «أبووطن» بعد أن نزل من السيارة ويشير بيده إلى الضفة الأخرى: «هنا «داعش» لكنهم يختبئون بعيداً عن الضفة، حيث إذا اقتربوا بإمكاننا قصفهم وضربهم، وللأسف لا يمكننا توجيه قذائف لوجود رعاة غنم وأبقار، لذلك ندقق النظر فى كل شىء بالمناظير حتى لا نتيح فرصة لاستهدافنا أو أن نترك مجالاً لضربنا من الدواعش»، مشيراً إلى أن كل الجنود على خط الجبهة متيقظون إلى حد كبير.
صعدت على إحدى عربات قوات سرايا الجهاد ذات الدفع الرباعى، الموضوع على ظهرها مدفع رشاش عيار 23 ملم، واستعرت المنظار لرؤية الضفة الثانية من النهر، رأيت عدداً من الأغنام وإلى خلفها أحد الرعاة بعصاة يهش بها غنمه، فيما يقع خلفهم أحد الأبنية الصغيرة التى يرجح أنها تكون مخبأ لقناصى «داعش» ولكنها خاوية، كان يحمل المنظار «أبوعلى» وهو رجل فى العقد السادس من عمره، يتجول بحرية على ضفة النهر، ملامحه صخرية، جاء من أقصى جنوب العراق للقتال على الجبهات الشمالية والغربية تلبية لدعوة المرجعية الشيعية، يقول: «لبيت دعوة المرجعية بالقتال والجهاد ضد «داعش»، والمرجعية مو للشيعة فقط، بل للسنة أيضاً، وجرائم «داعش» يشيب لها الشعر وتخلى الصخر يحاربهم مو سنة أو شيعى أو مسيحى»، مشيراً إلى أنه رأى صديقه وهو يُذبح خلال مقطع نشرته «داعش» على اليوتيوب، ما زاد من عزيمته فى قتالهم وتقدمه فى الصفوف الأولى من الجبهات.
«الدراجى»: قطر وتركيا تساندان «التنظيم» بدعوى الحرب الطائفية.. و«شعب مصر قوى ويحميه جيش أقوى».. وأسرة سُنية هربت من نيران المعركة للاختباء فى منزل فخخه «داعش».. فانفجر فى أفرادها وقتلهم جميعاً
معلقاً منظاره على صدره وبندقية على كتفه، ويردد «تظن أنى شايب وهن، أنا أقوى منك، وأحارب «داعش» حتى أموت»، يؤكد «أبوعلى» أنه سيقاتل قوات «داعش» إلى النهاية، وأن نجله أيضاً يقاتلهم وفى أحد أفواج نفس السرايا «الجهاد»، مندداً بما يثار عن الحرب الطائفية وأن منازل الأهالى من السنة تم الحفاظ عليها كما هى، وأن «داعش» هو الذى يخرب ويدمر، راوياً حادثة انفجار منزل فخخته «داعش» وتركته فى صحراء الثرثار، وحينما اندلعت الحرب وتقدمت قوات الحشد مع الجيش ووصل القتال إلى مناطق إقامة الأهالى، أخذ رب إحدى الأسر كامل أسرته وكان تعدادهم 8 وراح يختبئ فى هذا المنزل البعيد ولكنه انفجر بهم جميعاً.
دخلنا إلى إحدى الخيام المنصوبة على خط الجبهة، ليروى لنا خبير المفرقعات كيف يجرى عمله خلال المعارك، يقول: «هى حربنا نحن، لأن «داعش» يخشى الحشد والجيش ويفر من عراكهم، فيزرعون المفخخات، ويهربون»، لم يكن يتلقى تعليمه فى تفكيك المفرقعات على أيدى هواة، بل كان خبيراً فى جيش صدام حسين، وبعد انهزام جيش صدام، وتشكيل جيش جديد كان هو خارج الجيش الجديد، فالتحق بقوات الحشد الشعبى بعد ظهور «داعش»، وفقد أخاه الأصغر فى معركة «جرف الصخر»، وحينما جاءه نبأ استشهاد أخيه، كان يقوم بتفكيك عبوة لعبور القوات، فأصر على تفكيك العبوة قبل الذهاب إلى أخيه وحمل جثمانه من على الجبهة، متابعاً: «أنا أخوى مات وأنا كنت أفك عبوة وما ذهبت إلا بعد ما حليتها وعبرت القوات، ونحن وهبنا أنفسنا للدفاع عن البلد وحماية العوائل».
ضابط بـ«لواء المنتظر»: «التنظيم» كان يحتمى بالأهالى السنّة ويعرضهم للموت.. وأنقذناهم بعد هزيمة الإرهابيين.. والإرهابيون فجروا جسر الثرثار وأرسلوا طائرات استطلاع لتصوير القوات.. والجيش أسقطها وبنى الجسر فى ساعات
ويضيف «أبوذر» أنه فقد أحد أصدقائه من خبراء المفرقعات حيث انفجرت فيه عبوة خلال معركة «عزيز بلد» وانهدم المنزل فوقه، لكنه دخل فكك ثلاث عبوات أخرى ليتمكن من انتشال جثته، مشيراً إلى أن أكثر الخبراء يُخدعون أحياناً خلال تفكيك المفخخات، قائلاً: «أصعب المفخخات هى العبوات الضاغطة، يعنى عبوتين وتخدع بها الخبير ليتوهم الخبير بأنه عطلها لكن شون بتكون جنبها ثانية»، مشيراً إلى أن أصعب عبوة واجهته كانت فى معركة «عزيز بلد» وكان الصاعق متصلاً بسبحة كبيرة داخلها الضاغط الكهربى، وأنهم أرادوا تضليله لكن اكتشفها وفككها وأخرج الضاغط الذى بداخلها، وأبطلها، موضحاً أنه يكون أول من يتقدم القوات وتتبعه المدرعات والآليات العسكرية، وأنه فى الغالب يكون معه قادة الفرقة لأنهم جريئون وأصبح لديهم خبرة فى تفكيك العبوات أيضاً، مشيداً بالسيد حسن فدعم مدير عمليات سرايا الجهاد.
ويشير خبير المفرقعات إلى أنه يشعر بأن الحرب كلها على كاهله هو وزملائه، لأن «داعش» تتفن فى زرع العبوات وأنه لا يكتفى فقط بتفكيك العبوات الناسفة التى يزرعها «داعش»، بل إنه يقوم بالتسلل فى الليل وعبور خطوط الجبهة لزرع العبوات بالقرب من «داعش»، حتى يصنع فخاً لعملياتهم الانتحارية، قائلاً: «بعدما نسوى هجوم أتسلل فى الليل وأروح أزرع عبوات على الطريق حتى «داعش» ما تهاجمنا بمفخخاتهم وإذا هاجمتنا تنفجر على بعد كيلو من قواتنا فيتنبهوا، فأنا أسوى عبوات ناسفة على جبهات «داعش».
محرر «الوطن» يفحص مدرعة أسرها الجيش من «داعش»
جنود وضباط بسرايا الجهاد ولواء المنتظر
أطباق وبقايا طعام داخل خنادق «داعش»
نصف داعشى حاول تفجير نفسه بقوات عراقية
صواريخ وقذائف من مخلفات انسحاب «داعش» السريع
أبوعلى
مقاتلان يوضحان إحدى الطرق لصد أى هجوم لـ«داعش»
جنود الحشد يصلون على جبهات القتال فى خضم المعارك