تتعرض الدولة المصرية وقت كتابة هذه السطور لمشكلة كبيرة تتعلق بتسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة. وللتعبير عن حجم هذه المشكلة استخدم أحد الكتاب مصطلح «محنة الثانوية العامة»، مستدركاً ومؤكداً أنها ليست محنة الثانوية العامة وحدها، إنما هى محنة النظام التعليمى برمته، بل هى تمتد للأسف لتكون محنة مجتمعية، ولم يبالغ القائلون بأنها تهدد الأمن القومى أو الدولة المصرية بمعنى محدد وهو أن هذه المحنة تؤثر عليهما (أحمد يوسف أحمد، محنة الثانوية العامة، جريدة الأهرام، 16 يونيو 2016م). واستخدم البعض وصف «فضيحة الثانوية العامة» للدلالة على خطورة وفداحة ظاهرة التسريب (د. أسامة الغزالى حرب، فضيحة الثانوية العامة!، جريدة الأهرام، 18 يونيو 2016م). وإدراكاً لخطورة هذه الظاهرة، يغدو من الضرورى البحث فيما إذا كان تسريب الامتحانات يشكل جريمة فى منظور القانون الجنائى أم لا.
والواقع أنه لا توجد جريمة محددة فى قانون العقوبات تحت مسمى «تسريب الامتحانات»، ولكن هذا السلوك يمكن أن يندرج تحت أحد نصوص التجريم الواردة فى هذا القانون، ونعنى بذلك جرائم إفشاء الأسرار والاختلاس والتربح والإضرار العمدى بمصالح الجهة الحكومية والرشوة. وقد سبق للقضاء أن تعرض لهذا الموضوع، وذلك بمناسبة الجناية رقم 12016 لسنة 2008 قسم المنيا. ففى غضون شهر يونيو عام 2008م، اتهمت النيابة العامة رئيس قسم امتحانات الثانوية العامة بمدرسة أبناء الثورة الابتدائية فى المنيا بأنه قبل وأخذ لنفسه عطية ووعداً بها للإخلال بواجبات وظيفته بأن قبل مبالغ نقدية جملتها ثلاثة آلاف وستمائة جنيه وقبل وعداً بعطية على سبيل الرشوة مقابل تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة بمرحلتيها للعام الدراسى 2007/ 2008م وتسليم بعض الأشخاص النماذج التى بعهدته قبل ساعات من موعد انعقاد الامتحانات فيها بالمخالفة للقواعد والضوابط الصادرة من جهة عمله. كذلك، وجهت النيابة العامة الاتهام للمذكور بأنه اختلس أوراقاً مملوكة لجهة عمله، وهى نماذج من أسئلة امتحانات الثانوية العامة فى مادتى التفاضل وحساب المثلثات للصف الثانى واللغة الإنجليزية للصف الثالث، والتى وجدت فى حيازته بسبب وظيفته حال كونه من الأمناء على الودائع والمسلمة إليه بهذه الصفة، بأن استأثر بمظاريف نماذج أسئلة امتحانات هاتين المادتين وعبث بها وفضها بطريقة غير ظاهرة مختلساً عدداً من أوراقها. واتهمت النيابة العامة المذكور أيضاً بأنه أضر عمداً على نحو جسيم بمصالح الجهة التى يعمل بها وزارة التربية والتعليم ومصالح الغير المعهود بها لتلك الجهة بأن قام بتسريب نماذج بعض أسئلة امتحانات الثانوية العامـة فى المادتين محـل الاتهامـات السالفة قبل ساعات من بدء مواعيد وانعقاد الامتحانات فيها. كذلك، اتهمت النيابة العامة المذكور بصفته موظفاً عاماً حال كونه مودعاً إليه بمقتضى وظيفته سراً خصوصياً ائتُمِن عليه، وهو أسئلة امتحانات المادتين سالفتى البيان، فأفشاها بأن سرب عدداً منها إلى باقى المتهمين وغيرهم من الطلاب.
وهكذا، يتضح أن التكييف القانونى لسلوك تسريب الامتحانات فى ظل نصوص التجريم العامة يختلف بحسب ما إذا كان المؤتمن على أسئلة الامتحانات قد تقاضى مقابلاً مالياً نظير تسريب الامتحانات أم لا. ففى الحالة الأولى، أى تقاضى مبالغ مالية، يتحقق النموذج القانونى لجريمة الرشوة، فضلاً عن جرائم الاختلاس والإضرار العمدى بمصالح الجهة الحكومية وإفشاء الأسرار. أما فى الحالة الثانية، فيتحقق فقط النموذج القانونى لجرائم الاختلاس والإضرار العمدى بمصالح الجهة الحكومية وإفشاء الأسرار. وفى جميع الأحوال، يلزم أن يكون الجانى موظفاً عاماً مودعاً إليه بمقتضى وظيفته سراً خصوصياً ائتُمن عليه وهو أسئلة الامتحانات. من هنا، تبدو فائدة القرار بالقانون رقم 101 لسنة 2015 فى شأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات. فوفقاً للمادة الأولى منه، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، «كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج بأى وسيلة، أسئلة أو أجوبة امتحانات تتعلق بمراحل التعليم المختلفة، العامة أو الخاصة، وكان ذلك أثناء عقد لجان الامتحانات، بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحان، سواء تمت الجريمة داخل لجان الامتحان أو خارجها. وبتطبيق هذا النص على وقائع التسريب التى نعيشها حالياً، نرى أنه كان من الأفضل حذف عبارة «وكان ذلك أثناء عقد لجان الامتحانات» وكذا حذف العبارة الدالة على توافر قصد خاص فى هذه الجريمة، وهى عبارة «بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحان».