أليس العنف ضد المرأة وفى جميع أشكاله ممارسة مرفوضة دينيا وأخلاقيا ومجتمعيا وإنسانيا؟ أليست حماية الفتيات والنساء المصريات اللاتى يعانين من العنف الذكورى فى العلاقات الشخصية والأسرية وفى المساحة العامة وأماكن العمل بواجب مجتمعى رئيسى؟ ألا تتعرض الكثير من الفتيات والنساء فى مصر لعنف منزلى وعنف جنسى فى العلاقات الشخصية والأسرية (الاغتصاب فى العلاقات الزوجية) وفى المساحة العامة؟ ألا تحدث جرائم الاتجار بالفتيات والنساء فى الآونة الأخيرة على نحو متصاعد وتتنوع أشكالها من الاستغلال الجسدى إلى التزويج القسرى وتزويج القاصرات؟
ألم تتكرر خلال السنوات الماضية جرائم التحرش الفردى والجماعى بالفتيات والنساء فى مصر وبوحشية متزايدة؟ ألا يمارس العنف ضد المرأة من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية، ومن قبل قوى وجماعات لا تزال تجد الاعتداء عليهن أقل كلفة من الرجال؟ ألا تهدر الكرامة الإنسانية للكثير من الفتيات وللنساء المصريات وتغتصب حقوقهن وحرياتهن، ويتواصل فى ذات الوقت مسلسل الإفلات من المحاسبة والعقاب؟
أليست هذه هى الجوانب المختلفة للعنف ضد المرأة وللجرائم المرتبطة به فى مصر، التى تستدعى مواجهة منظمة من الدولة والمجتمع فى القرن الحادى والعشرين؟
لم يعد مقبولا لنا أن ننكر هذه الحقائق أو أن نتجاهلها أو أن يدعى البعض دون سند مقنع تعارض منظومة القيم والتعاليم الدينية مع مناهضة أشكال العنف ضد المرأة، كلها أو بعضها.
لم يعد مقبولا أن يدعو البعض إلى رفض والتنصل من موافقة الحكومة المصرية قبل أيام على تفعيل اتفاقية نبذ العنف ضد المرأة 1994 التى وقعت عليها مصر منذ سنوات، ويوظف فى هذا السياق فهم قاصر للدين، وتطغى حسابات المصالح الانتخابية والحزبية الضيقة.
لم يعد مشروعا، أخلاقيا وإنسانيا، أن يصمت مجتمع الرجال عن العنف ضد المرأة، ولا يتضامن المستنيرون معهن ويدافعوا عن حقوق المرأة وحرياتها.
فالمجتمعات البشرية تقهر حين تقهر بها الفتيات والنساء، وتتخلى عن إنسانيتها حين تهدر فى واقعها المعيش كرامة المرأة الإنسانية.
كفانا مزايدة وجدلاً عقيماً، موافقة الحكومة المصرية على تفعيل اتفاقية نبذ العنف ضد المرأة 1994 خطوة صحيحة ومهمة، ولا تتعارض لا مع القيم الدينية، ولا مع القيم الأخلاقية والإنسانية. والأهم من الموافقة هو إنتاج ضغط شعبى وسياسى يدفع الحكومة إلى التطبيق العملى لنبذ العنف ضد الفتيات والنساء، عبر تعديلات تشريعية وتغيير فى السياسات والممارسات، وتعويل على محاسبة المتورطين فى العنف، وعدم تمكينهم من الإفلات من العقاب.