انتفضت حركة فتح احتجاجاً ورفضاً لانعقاد مؤتمر عين السخنة الذى دعا له المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، واعتبرته لقاءً يهدف إلى تمزيق وحدة الصف الفلسطينى ومناوئاً لرغبة السلطة الفلسطينية وتدخلاً سافراً فى الشأن الفلسطينى، حجة هؤلاء مبعثها أن تيار النائب محمد دحلان، المفصول من الحركة، هو المحرك الرئيسى لانعقاد اللقاء ليأتى بديلاً للرئيس محمود عباس بشرعية مدعومة من مصر، ورغم حضور المؤتمر عدد من الشخصيات الاعتبارية الفلسطينية سواء من حركة فتح أو غيرها ونفيهم القاطع أن يكون اللقاء جاء مغرضاً أو مفرقاً أو لمناقشة وضع البديل المرتقب للرئيس أبومازن، غير أن لغة التشكيك والتخوين تسيدت المشهد ولاقت من المنافقين والمدلسين ترحيباً وتهليلاً، أملاً فى تثبيت مواقفهم المتأرجحة بين الشك واليقين لتسجيل موقف هنا أو هناك بما قد تكشفه الأيام المقبلة، أما كون القضية الفلسطينية تمر بمرحلة خطيرة لم يعد السكوت أو غض النظر ناجحاً معها وضرورة معالجة تداعيات الانهيار الذى يحيط بها من كل جانب فلم يكن لهذا الهدف اعتبار.
ورغم أن اللقاء كان بعيداً كل البعد عن أجواء الخلافات الفلسطينية وناقش علناً أوراقاً بحثية رصينة من قبَل أكاديميين مصريين وفلسطينيين يدور مجملها حول ضرورة تعزيز خيار القيادة الفلسطينية وتوفير المناخ المناسب للمفاوض الفلسطينى وضرورة احترام القيادة السياسية وخياراتها وتعزيزها كممثل للشعب الفلسطينى خشية من أى محاولات إسرائيلية للقفز عليها أو تجاوزها، إلا أن الاعتقاد الذى لم يتزحزح سواء فى تصريحات المعارضين أو عبر شبكات التواصل الاجتماعى جاء محبطاً ويدل على كم هائل من التناقض والصراع أصبح اللغة السائدة فى أروقة وكواليس الحكم والسياسيين سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة، والمؤسف أن تكون تصريحات لقيادات من حركة فتح نارية ومؤججة للوضع باتهام المؤتمر بأنه مؤتمر انقلابى على الشرعية، وتدخل فى خيارات الشعب الفلسطينى على غير الحقيقة، وربما بعد أن تخرج التوصيات لهذا المؤتمر مؤكدة على شرعية السلطة والقيادة سيكون الحديث مختلفاً، فريق منهم سيركب قطار الزعامة ويشيع بأن مواقفه الحازمة تجاه رفض اللقاء هى التى وجهت بوصلة الختام وبفضل جهود هذا الفريق منعت كارثة لم يكن أحد يعرف تبعاتها السياسية، والحقيقة أن هذه الرؤى تثير التحفظ والعجب، فالاتهام المباشر لمؤتمر يعقد فى القاهرة هو اتهام للقيادة السياسية وبشكل مباشر بالتآمر على الشعب الفلسطينى! وهذا فى حد ذاته يكدر الأجواء المشحونة أصلاً بالتوتر، فمصر لا ينقصها الانزلاق فى خلاف هامشى وهى المحملة بمشاكل الإرهاب والاقتصاد المتعثر والقلاقل التى يحاول الإخوان وأذنابهم افتعالها مع اقتراب التاريخ المشهود لثورة الجياع المزعومة يوم 11/11 المقبل، كما أن اتهاماً بهذا الشكل السافر يؤثر على العلاقة التاريخية بين مصر وفلسطين، العلاقة المصيرية التى تكاد تكون الوحيدة الثابتة والمستمرة بعد أن أدار معظم العرب ظهورهم للقضية الفلسطينية وانغمسوا فى مشاكلهم الداخلية التى باتت أكثر إثارة وتعاطفاً من القضية الفلسطينية، إذ لم يعد الفلسطينيون وحدهم المحتلين أو اللاجئين أو المهجرين أو من يعانون ويلات الحروب والتشرد، فقد ابتليت المنطقة العربية بقضايا مصيرية قد تكون نقطة فاصلة فى تغيير بؤرة الاهتمام العربى وتحويل مساره عن القضية الفلسطينية الأم، فمشكلة سوريا تستحوذ على جل الاهتمام العربى والدولى مع اختلاف النوايا، وما يحدث فى العراق واليمن وليبيا يسترعى الاهتمام ولا يقل خطورة عما يدور فى الأجواء الفلسطينية التى باتت تشكل صداعاً مزمناً لمعظم الأنظمة العربية وإن لم يصرحوا بذلك، وبدأت المؤامرات الخفية حولها تتواتر تدريجياً بالتحالفات المشبوهة التى تتصدرها قطر، وما يجرى مؤخراً من محاولات لطمس فلسطين عن الخريطة، ولعل أقرب مثال على ذلك خريطة تركيا الجديدة التى نشرتها صحيفة تركية مقربة من «أردوغان» وتضم أجزاء من العراق وسوريا وبلغاريا وتستبدل فلسطين بإسرائيل؟!
إن حالة الغليان ولغة التخوين والتشكيك التى رافقت اللقاء تشى بالمزيد من الاحتقان بين التيارات الفلسطينية وتعبر عن حالة من التشرذم أصابت الجسد الفلسطينى فى مقتل، فلا إجماع على هدف، ولا لغة حوار حضارية ولا أفق لدى هؤلاء بحلول قريبة ربما تخلص المجتمع الفلسطينى، الذى يقبع على بركان نار، من حيرة التساؤلات المعلقة فوق الشفاه وداخل الأعين، فلا أمل فى حلول تهدئ من الارتباك الشديد الذى بدا واضحاً فى سلوكهم وممارساتهم، فالمستقبل غائم ملغم بالتكهنات، والمنطقة تشهد تغيرات وتحالفات سياسية متسارعة إن لم يفطن الفلسطينيون إلى خطورتها، فقد ضاعت قضيتهم إلى الأبد حتى لو تجمل البعض بإطلاق التصريحات على أن القضية الفلسطينية تتربع على عرش الاهتمام العربى وأنها قضيتهم المركزية، فهذا حق يراد به باطل.