يبدو أن الصراع السياسى الداخلى فى مصر ما بعد «مبارك» قد بلغ مبلغاً حرجاً، تجلى فى إمكانية تدويله إثر تلويح بعض أطرافه باللجوء إلى التحكيم والقضاء الدوليين لتسوية نزاعاتهم السياسية مع الرئيس مرسى.
فما كادت البلاد تستفيق من دعاوى بعض أقباط المهجر المتطرفين للاستقواء بالخارج وطلب الحماية الدولية للمسيحيين فى مصر، حتى خرج علينا رئيس نادى القضاة المستشار أحمد الزند مهدداً باللجوء إلى جهات تحكيم وقضاء دولية فى مواجهة ما اعتبره تغولاً من السلطة التنفيذية على نظيرتها القضائية. وهو التهديد الذى ارتأى فيه قانونيون مصريون مدعاة لمحاكمة المستشار الزند جنائياً طبقاً لنص المادة 77 من قانون العقوبات المصرى، كونه جنح للاستقواء بجهات خارجية.
وفى سياق موازٍ، وفيما يتعلق بمحاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك، أعلن رئيس محكمة استئناف الجيزة المستشار زكريا شلش أن من حق «مبارك» اللجوء للقضاء الدولى والمنظمات الدولية عن طريق منظمات حقوق الإنسان للمطالبة بمحاكمته دولياً، توخياً لمحاكمة عادلة لا يراها متوفرة حالياً فى مصر
ومن المثير للدهشة أن فلول النظام السابق قد هددوا أيضاً باللجوء إلى تدويل قضية عزلهم السياسى، حيث قرر ما يسمى «تحالف نواب الشعب»، الذى يضم عدداً من النواب البرلمانيين السابقين عن الحزب الوطنى «المنحل» تشكيل لجنة لبحث تدويل قضية العزل السياسى وتقديم مذكرة إلى الاتحاد البرلمانى الدولى بجنيف حول تعارض المادة المتعلقة بالعزل السياسى فى مصر مع اتفاقية الاتحاد التى وقعت عليها مصر، وكذا بيان القاهرة الصادر عقب انعقاد مؤتمر الاتحاد فى مصر عام 1999، الذى يتضمن حظر أى ممارسات تمثل اضطهاداً للنواب الحاليين أو السابقين بسبب آرائهم أو أفكارهم أو انتماءاتهم الحزبية والسياسية، ويتضمن البيان أيضاً حق الاتحاد فى توقيع جزاءات على الدول المخالفة، من بينها تجميد عضوية برلمانها فى الاتحاد الدولى.
ومن جهتها، لم تتورع شركات عالمية عديدة تعمل فى مصر عن اللجوء إلى التحكيم الدولى لتسوية نزاعات تجارية وقانونية خاصة بنشاطها الاستثمارى، وذلك رداً على الدعاوى القضائية التى رُفعت بعد سقوط «مبارك» طلباً لإلغاء عقود عمليات بيع الشركات والأراضى، التى قامت بها حكومات نظام «مبارك» المتعاقبة ضمن برنامج الخصخصة الذى بدأ فى تسعينيات القرن الماضى وتم خلاله بيع 382 شركة مقابل 57.4 مليار جنيه مصرى (9.4 مليار دولار) فى الفترة من عام 1991 إلى 2009، وذلك وفقاً لتقرير تم إصداره فى ديسمبر 2011 من قِبل المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وبصرف النظر عن مدى إمكانية تدويل هذه القضايا مجتمعة بالفعل من عدمه، فإن خطوة من هذا القبيل إنما تعكس بجلاء عمق أزمة الثقة التى تخيم على الفاعلين السياسيين فى مصر الثورة ومدى عجزهم عن تجاوزها عبر التوافق والحوار، كما تطوى بين ثناياها أيضاً تداعيات سلبية للغاية على مصر فى هذا التوقيت الحساس.
وكم عانت مصر كثيراً ودفعت تعويضات ضخمة جراء خسارتها قضايا عديدة أمام التحكيم الدولى على خلفية الانحياز إلى جانب الثغرات القانونية العديدة التى تموج بها تلك القضايا، والناجمة بدورها عن نقص الكوادر المدربة على التحكيم وإعداد وإبرام العقود مع المستثمرين الأجانب، علاوة على غياب الآليات القانونية والمؤسسية التى تنظم ممارسة مهنة التحكيم، وذلك رغم دور مصر الريادى فى توقيع اتفاقية نيويورك، التى تعد مرجعية فى هذا المضمار.