1- درس العمل التراكمى لمحاسبة المتورطين فى انتهاكات حقوق الإنسان:
فى جواتيمالا بأمريكا اللاتينية قضت محكمة وطنية بمعاقبة الرئيس الأسبق ريوس مونت، والذى كانت رئاسته فى الفترة بين 1982 و1983 ويقترب عمره اليوم من التسعين، بالسجن لثمانية عقود لتورطه فى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية خلال عامى رئاسته.
وصل مونت، وهو جنرال عسكرى، للسلطة عبر انقلاب، وفى إطار حرب أهلية استمرت من 1960 إلى 1996 بين حكومات عسكرية يمينية ساندتها الولايات المتحدة وحركات يسار مسلحة ساندها الاتحاد السوفييتى السابق ودعمتها كوبا وكانت للحرب خلفية عرقية تمثلت فى عنصرية السكان ذوى الأصول الأوروبية إزاء المواطنين الأصليين ومحاولات وحشية لتصفيتهم.
وكانت فترة رئاسة مونت هى الأكثر دموية خلال الحرب الأهلية الطويلة، ولم تتمكن الحكومات المنتخبة التى تعاقبت على جواتيمالا منذ 1996 من محاسبته إلا عبر برنامج متكامل للعدالة الانتقالية أشرفت عليه لجنة محايدة «للحقيقة» وثقت انتهاكات الحرب الأهلية ومع ضغوط متواصلة من منظمات حقوق الإنسان وبعد أن انتهت حصانة مونت التى ارتبطت بمناصب متعددة شغلها بعد رئاسته وكان من بينها رئاسة البرلمان والترشح لرئاسة الجمهورية.
بعد ثلاثة عقود من فترة رئاسته وبعد عقد ونصف من انتهاء الحرب الأهلية وبدء التحول الديمقراطى، يحاسب القضاء الوطنى فى جواتيمالا الرئيس الأسبق ريوس مونت ويقضى بسجنه بسبب التورط فى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية. ويحدث هذا والرئيس الحالى أوتو بريز مولينا، وهو ضابط جيش سابق ومنتخب ديمقراطياً، يواجه أيضاً اتهامات بالتورط فى جرائم ضد المواطنين الأصليين أثناء عمله العسكرى.
درس جواتيمالا، إذن، هو حقيقة أن المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان فى إطار تحولات ديمقراطية ليست بالعمل السياسى أو المجتمعى اليسير، وأنها تحتاج لوقت ولجهد توثيقى ومؤسسى (لجان العدالة الانتقالية والحقيقة)، وحتماً تواجه مقاومة شرسة من المتورطين فى الانتهاكات وبعضهم يستمر فى الحياة السياسية طلباً للحصانة الشخصية ولتعطيل المحاسبة. علَّ قومى يفهمون.