سيكون يوم 30 يونيو 2013 بداية الاستعدادات لاستقبال مصر العائدة -بإذن الله- إلى أحضان أبنائها.
فقد تم اختطافها بمعرفة متطرفين منذ عام، ولم يُحسنوا معاملتها وأفقدوها أمنها وأمانها وأفقروها لحد الإذلال وأرادو أن يُخضعوها غصباً لسلطانهم ولأفكارهم الظلامية، بتخويف أهلها وإرهابهم حتى يحتفظوا بها للأبد.
ومصر تتابع، من أسْرها، الاستعدادات لاستقبالها، فإن كانت لائقة بها وبمكانتها وبقدرها فى قلوب أبنائها فإنها حتماً ستكسر قيودها وتقهر سجّانيها وتعيدهم إلى مكانهم الطبيعى وإلى حجمهم وقدرهم الذى يستحقونه، وإن لم يكن أبناؤها على قدر المسئولية وتقاعس بعضهم عن النزول لتحريرها واستقبالها بما يليق بها فقد تتأخر عودتها فترة.
ومصر الأسيرة بحضارتها وتاريخها وعراقة أهلها تنتظر من أبنائها أن يحرروها من هذه الطغمة الفاشلة القاسية قلوبهم الذين هانت عليهم مصر ففرقوا بين أبنائها وأفقروا اقتصادها وضيعوا أمنها وقزّموا قدرها ويسعون بلا رحمة إلى تغيير هويتها وإجبار أهلها على الخضوع لابتزازهم وإرهابهم.
ويعلم أبناء مصر أن يوم 30 يونيو هو بداية الاستقبال وليس كله، ولا بد أن يعى الجميع أن المطلوب هو الاستمرار فى الحشد والنداء على مصر حتى تتحرر نهائياً من هذه الأغلال والقيود التى يحاولون إحكامها، فلا مجال للتراجع أو التهاون أو التراخى، لأنه لو حدث فستظل مصر أسيرة للإرهاب والقهر والتخلف، وهذا ما لا يرضاه أى مصرى متشوق لعودة مصر إلى أحضانه.
ويعلم المصريون كذلك أن 30 يونيو يوم فارق فى تاريخ مصر، لحظة الاختيار بين مصر الحضارة وبين مصر الإمارة، مصر الدولة المدنية الوسطية دولة كل المصريين، وبين مصر المختطفة من جماعة الإخوان لتحويلها إلى جزء صغير من مشروع وهمى لدولة الخلافة.
والحقيقة أن كل العوامل تشجع أبناء مصر على الخروج لاستقبالها بالحفاوة اللائقة بها، فالعامل الأول هو هذا الغباء السياسى الغليظ من جماعة الإخوان وتابعيها الذى نجح فى أقل من عام فى كشفهم على حقيقتهم التى ظلت خافية عن غالبية الشعب طوال السنوات الماضية، ونجح هذا الغباء فى أن يُفقدهم المساحة الكبرى من الشعبية والتعاطف التى كانوا يتمتعون بها، إضافة إلى فشلهم الصارخ والذريع فى إدارة شئون البلاد، فغرقنا فى الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية، هذا الكشف وهذا الفضح هو الذى جعل الملايين من المصريين يلتفون حول دعوة شباب مصر الذين أبدعوا حركة تمرد مما أكسب يوم استعادة واستقبال مصر فى الثلاثين من يونيو قوة هائلة وزخماً غير مسبوق فى تاريخ مصر من جموع المصريين خاصة البسطاء منهم الذين انخدعوا ثم أفاقوا على الحقيقة التى تُكشفت والفضيحة التى لحقت بحكم الإخوان لمصر، فقرروا وأجمعوا على الخروج لإنهاء عهد الخديعة والكذب والاستبداد والطغيان.
والعامل الثانى من عوامل نجاح يوم 30 يونيو هو أن الدعوة إليه لم تخرج من المعارضة بفصائلها المختلفة من أحزاب أو تيارات منظمة وإنما خرجت من شباب مصر الواعد والقادر على حمايتها، شباب لا طموح لهم ولا حسابات لديهم إلا صالح مصر وشعبها، فصدّقهم الناس والتفوا حولهم بالملايين دعماً وتأييداً واستجابة لندائهم الطاهر المخلص، فهم شباب لم يُدنسوا بدنس السياسة، ولم يُرهبهم بعض الزاعقين من الإرهابيين المتقاعدين الذين توعدوا الشعب كله ببحور من الدماء والقتل إذا ما خرجوا عن الطاعة وطالبوا بحق الشعب فى تقرير مصيره.
والعامل الثالث من عوامل نجاح هذا اليوم هو هذا الموقف الوطنى المخلص الذى انحاز فيه الجيش إلى الشعب وأعلن أن ولاءه لن يكون لغير الشعب، وأعلنها الفريق أول عبدالفتاح السيسى قوية مدوية بأنه ليس من المروءة أن يترك الجيش شعبه خائفاً مُروّعاً ولا يهب لحمايته، وقال بالحرف «إحنا نروح نموت أحسن بقى»، وكان رد الفعل على هذه العبارة أن وقف جميع القادة والضباط تأييداً لموقف قائدهم العام، وفى ذات الوقت أعلنت قيادات الشرطة صراحة بأنها لن تقف ضد الشعب فى انتفاضته بل ستحرسه ولن ترفع مجرد عصا فى مواجهة المتظاهرين، وهو موقف مشرف لقيادات الشرطة يثبت أن الشرطة من الشعب وللشعب ولن تكون أبداً عليه.
والعامل الرابع والأهم هو هذا الإصرار البديع من البسطاء من شعب مصر فى كافة المحافظات على استعادة مصر ممن يريدون تبديد نورها وإطفاء شعلة حضارتها وجرها إلى مستنقع الفقر والجهل والتخلف، فلن يقبل المصريون أن تتحول حياتهم إلى نكد دائم وأزمات متلاحقة ومستمرة وإرهاب ورعب مسلط على رقابهم، فإن قبلوه اليوم صار دستوراً يحكمهم إلى الأبد، وكلما فكروا فى التغيير تخرج عليهم رؤوس الإرهاب والتهديد كما تخرج هذه الأيام فيتحول المصريون إلى رعايا فى وطنهم ليس أمامهم وقد انصاعوا للإرهاب إلا أن يذعنوا ويسمعوا ويُطيعوا.
فهل هذا ما تتمناه لوطنك؟ هل هذا ما ترضاه لأبنائك؟ إن كنت ترضى لبلدك ولأولادك وأحفادك هذا المصير، وإن كنت تريد لمصر أن تتحول إلى مجرد إمارة ترعى الإرهاب، وإن كنت ترضى لمصر الحضارة والتاريخ العريق أن تُدفن وتضيع مكانتها بين الأمم، وإن كنت ترضى بالذل والخنوع مع ضيق العيش والبطالة والأزمات الاقتصادية الخانقة، إن كنت ترضى بكل ذلك فاجلس فى منزلك يوم 30 يونيو وشاهد الملايين فى شوارع وميادين مصر وهم يهتفون بحياتها فى انتظار عودتها، وإن تأخرت مصر فى الوصول فاعلم أنك السبب بجلوسك وتقاعسك وتخاذلك فى تأخر وصولها وعودتها إلى أحضان أبنائها.
إننى على يقين من أن كل مصرى حر شريف حريص على وطنه وعلى مستقبل أولاده وأحفاده سيحتشد لاستقبال مصر حين عودتها من الأسْر يوم 30 يونيو وما بعده، وسنظل فى انتظار الحبيبة الغالية مصر إلى أن تعود لأحضاننا ونعود لأحضانها.