سيناريست وأديب واسع الخيال، أمين على الرواية، يحولها إلى قصة واقعية مترجمة فى صورة وحركة بلغة الكاميرا، دون أن يخل بمضمونها، وفي كثير من الأحيان يكون السيناريو الذي يكتبه إضافة للرواية وأكثر تفسيرا، إنه الكاتب محسن زايد صاحب سيناريوهات الأفلام والمسلسلات الروائية الهامة الذي عمل مع كبار المؤلفين والمخرجين.
كتب محسن زايد المولود في 23 أغسطس 1944 بحي السيدة زينب في القاهرة، العديد من سيناريوهات الأعمال الدرامية والسينمائية المأخوذة عن أهم الراوايات، أبرزها ثلاثية نجيب محفوظ التي قدمت للتليفزيون، و"حديث الصباح والمساء"، و"الحرافيش"، و"أرض النفاق" وغيرها من الأعمال التي تركت بصمة في الفن المصري، ويعد فيلم "السقا مات" المأخوذ عن رواية يوسف السباعى واحد من أهم أعمال زايد في السينما، وعندما دعا مخرج الفيلم صلاح أبو سيف، النقاد والصحفيين في العرض الخاص، كان من بين الحضور زوجة يوسف السباعي التي تأثرت بشدة بسبب مشهد الجنازة الذي كتبه زايد، واضطر المخرج لحذف جزء منه ليخفف من حدته.
محسن زايد، عميق في وصف المشاهد المؤثرة التي تجعل المشاهد ينهال بكاءً، ثم يخفف من حدتها بالمرح والفكاهة معللاً ذلك بقوله: "أكتر ضحك بنضحكه فى المواقف الجادة وخاصة في الجنازات"، وكان هدفه من فيلم "السقا مات" إيصال رسالة للجمهور مفادها "عيش الحياة"، وذلك حسب قوله فى حوار نادر له مع المذيعة درية شرف الدين والمخرج صلاح أبوسيف، عندما قال: "الموت شأنه شأن الميلاد، فمفيش داعي إننا نموت قبل ما نموت علشان نستعد للموت.. أو نفكر في الموت علشان ما نعيش.. ودي كانت دعوة الفيلم (نعيش الحياة)".
تدور فكرة فيلم "السقا مات" حول فلسفة الموت ومحاولة الشخصية الرئيسية "المعلم شوشة السقا" للهروب من ذكرى وفاة زوجته الشابة، وتحدث المفارقة عندما ينقذ المعلم شوشة شخص ما من الضرب ثم تتوثق علاقته به ويدعوه للإقامه معه في بيته مع حماته وابنه سيد، وبعد أن يعرف أن هذا الشخص "حانوتي" يدفن الموتى، ينفر منه في البداية، إلا إن الضيف سرعان ما يقنع المعلم شوشة بمواصلة حياتة ونبذ الخوف من الموت، ثم يموت الضيف فجأة فينهار المعلم، ثم يستعيد عافيته ويأتيه خبر سار بتعيينه شيخا للسقايين في المنطقة، إلا أن البيت ينهار فوق رأس المعلم وتنتهي حياته في مشهد مؤثر.
ورغم أن المنتجين في البداية رفضوا المغامرة بإنتاج فيلم عن "الموت"، إلا إنه تمكن من إنتاج الفيلم مع يوسف شاهين، وقال يوسف السباعي مؤلف رواية "السقا مات" بعد أن شاهد الفيلم :"إنني ولأول مرة أجد فيلما سينمائيا مقتبس عن أصل أدبي أفضل من العمل ذاته"، وكان الفيلم من أقوى أفلام صلاح أبو سيف، وحصل على 18 جائزة وعرض في أكثر من دولة، وأصبح واحدا من أفضل 100 فيلم في السينما المصرية.
كان من السهل عليه التغيير في مشاهد السيناريو ولكنه كان مهتما أن يكون أمين على رواية المؤلف مفضلا عدم العبث بها، وقال عنه صلاح أبو سيف إنه نجح في تحويل رواية من 400 صفحة في مشاهد، وكان هناك شروح كثيرة لا يمكن تضمينها في الفيلم فعبر عنها من خلال تحريك الأحداث وشرح الشخصية والملابس، ولخص مشهدا مكون من 25 صفحة فى دور مدته 3 دقائق.
وبعد أن قدم زايد العديد من الأعمال، كان له لقاء أخير مع الموت، ليرحل عن عالمنا في 30 يناير 2003 إثر إصابته بأزمة قلبية مفاجئة، وهو في التاسعة والخمسين من عمره.
تعليقات الفيسبوك