كنت قد بدأت في المقال الماضي إثارة موضوع المجتمع المدني وأهميته في أي دولة ديمقراطية حديثة، لكن ما لفت انتباهي هو أنني حين أثرت هذا الموضوع وجدت أن الكثيرين يحكمون على الموضوع دون علم كامل بطبيعة دور القطاع الثالث (المجتمع المدني) ونتج عن هذه الصورة الذهنية العديد من الاحكام الخاطئة لذلك سأشير إلى بعض من هذه الصور الذهنية المترسخة في اغلب عقول الناس وهذه الصور لاتشمل العاملين بهذا القطاع حتميا.
فنجد أن هناك من يرى المجتمع المدني ومؤسساته حبر على ورق ولا يعملون شيئا على أرض الواقع، وهناك من يرى أن منظمات المجتمع المدني مجرد "سبوبة لأكل العيش على قفا التمويل الأجنبي"، وهناك من يرى منظمات المجتمع المدني حفنة من الخونة والمأجورين لإثارة القلاقل في البلاد، وهذه الآراء معتمدة في المقام الأول عن عدم الاحتكاك بأي خدمة من خدمات المجتمع المدني أو عدم التواصل المباشر أو غير المباشر ما بين هؤلاء الأفراد وبين إحدى هذه المؤسسات، وجهل بدور تلك المنظمات وعملها على أرض الواقع، وناتج أيضا عن بعض ما يثار حول غموض عمل هذه المنظمات.
نظريا يتمحور دور المجتمع المدني في مهمتين كبيرتين هما:
الأولى هي تحقيق التنمية الشاملة عن طريق تكامل عمله مع الدولة والقطاع الخاص، بحيث تعمل القطاعات الثلاث من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وهو ما ينعكس بالإيجاب على مواطني الدولة، ونشأ هذا الدور نتيجة صعوبة تحقيق التنمية من قبل الدولة وحدها، خاصة في الدول النامية التي يكون اقتصادها غير معافى بشكل كبير. وأيضا يقع على عاتق المجتمع المدني مسئولية إعداد الكوادر المختلفة لتحقيق ذلك.
أما المهمة الأخرى هي رقابية، فوجود مجتمع مدني فعال يكون ضمانا للمساءلة والشفافية، وهذا يعزز النظام الديمقراطي النزيه للدولة، وهذه المهمة نابعة من تعريف المجتمع المدني بكونه الوسيط بين الشعب والنظام، ولابد أن يعي الكثيرين هذه المهمة لأنها إيجابية ووطنية وتساعد على إصلاح مواطن الضعف بالدولة.
ولكي يقوم المجتمع المدني بدوره بالوجه الصحيح، لابد أن يكون له موارد لكي يستطيع الإنفاق ومن هنا نشأت فكرة "التمويل" سواء من الداخل أو الخارج، والتي تم تقنينها في القانون الدولي وفي أغلب الدول، وهنا في مصر يخضع لرقابة السلطة التنفيذية بموجب قانون خاص يسمى قانون الجمعيات، وهو القانون الذي ينظم عمل مؤسسات المجتمع المدني بكافة أشكالها التي تناولتها في المقال السابق.
ومن المهم أن يصبح المجتمع المدني فعالا ومؤثرا، ولتحقيق ذلك لابد من أن يعي الشعب والنظام أهمية وجود القطاع الثالث كوسيط رقابي يتكامل مع الدولة في تحقيق دولة الرفاهة، وأن كل هذا يصب في المصلحة العامة وليس العكس.