رفض الزواج في شبابه خوفًا من إنجاب أطفال لا يقدر على تلبيه احتياجاتهم في الحياة، حتى سرق عمره ووجد نفسه على مشارف الـ60، وحيدًا بين أربعة جدران في شقة ورثها عن عمته بشبرا الخيمة، مهن بلا مستقبل ضاع عمره بينها تارة صنايعي وتارة أخرى شيال، وحارس في موقف انتظار سيارات قبل رحيل والده، وآخرها "موصلاتي" حسب قوله.
يقف الرجل الستيني أمام مدخل إحدى عمارات وسط البلد معظمها عيادات أطباء يرشد المرضى لطوابق الأطباء، رحلة يومية يؤديها عم عيد عبد ناصر تنتهي في التاسعة مساءً، وظيفة بلا مسمى براتب ضئيل، اضطر أن يمتهنها ليوفر قوت يومه، يوصل التائه وينظف السلالم ويلبي احتياجات السكان، ويصلح "الأسانسير" في حالة عطله "اشتغلت 10 سنين في القصر العيني مع واحد في الصيانة كنت بشيله الشنطة واتعلمت منه شوية حاجات".
يحفظ كل عيادة بالطابق الذي تسكنه واسم طبيبها ومواعيدها، في الطابق التاسع عيادة القلب، وفي الثامن العظام، أما في السادس على اليسار تكون عياد السمنة والتخسيس، وفي الرابع عيادة الأسنان، وأخيرًا في الثالث عيادة التجميل، يصطحبهم من أمام المصعد الكهربائي وحتى باب العيادة، يسألهم متى سينتهون من كشفهم حتى يذهب ليعيدهم مرة أخرى لباب المغادرة.
حُرم من أن يكون أبًا خوفًا من المسؤولية "أنا راجل أرزقي مكسبي على حسب السوق أجيب ولاد أشحت بيهم أنا كده لوحدى مرتاح"، عبارات تخرج منه بألم وحسرة على عمره الذي سُرق منه فجأة ولم يجد بجانبه ولد يستند عليه، أو زوجة يشكى لها همه، شعور لم يلازمه إلا بعد رحيل والديه، ليجد نفسه وحيدًا قبل أن تنفصل شقيقته عن زوجها وتذهب بأطفالها الثلاثة للعيش معه "هونت عليا شوية بساعدها في مصاريف ولادها وأدينا عايشين".
يتقاضى 1200 جنيه شهريًا "شقيان بس ده أكل عيشي هعمل ايه؟"، ولا يريد سوى الستر والصحة ومغادرة الحياة بسلام "ربنا ما يحوجنا لحد".
تعليقات الفيسبوك