فى اللحظة التى كدت أعتذر فيها عن مقال اليوم، تلقيت اتصالاً يدعونى لحضور الحوار المجتمعى مع رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور..
فكرت فى الكلام الذى يمكن أن أقوله فى هذا اللقاء، ثم شعرت أنه من الممكن أن يمر اللقاء بأكمله ولا أتكلم، ثم تساءلت: وهل هناك أصلاً جدوى من الكلام؟!
ألا يعرف الرئيس ما يريد الجميع أن يقوله؟
عدلى منصور، المستشار الذى جاء فى لحظة تاريخية صعبة، وبحكم منصبه أصبح رئيساً مؤقتاً للجمهورية، لا ينوى على شىء سوى الإخلاص للفترة التى يقضيها فى هذا المنصب، بالتأكيد يعلم أن الناس منقسمة عليه. هناك من يرونه الرئيس عدلى منصور المحترم الهادئ المهذب المثقف رجل العدالة المحب للصمت، وهناك من يرونه -وتلك حقيقة فليسامحنى عليها- عدلى «طرطور»، الرجل الذى لا يستطيع أن يذهب إلى دورة المياه دون أن يستأذن «السيسى»، وحتى المتوازنون فى آرائهم تجاه الرجل يرونه الرئيس المرحلة الذى سيمر ربما دون أن يتذكره أحد مثلما لا يتذكر أحد صوفى أبوطالب، رئيس الجمهورية بعد اغتيال «السادات» وحتى تولى «مبارك» المسئولية، وعدلى منصور يعلم كل ذلك، فماذا يفعل؟ وماذا سيفعل؟ السيد رئيس الجمهورية المؤقت يجرى الآن حواراً مجتمعياً يجب أن يشك فيه الجميع ولا يفرحوا بدخول قصر الاتحادية الذى كان حكراً على مجموعة مصالح أو أهل وعشيرة أو مستشارين يكملون ديكور المشهد أيام «مرسى»، ثم هاهو اليوم يستقبل الجميع مرة أخرى لكن فى انتظار اتخاذ قرار بشأن عدد من الملفات العالقة، لا أعتقد أن أهمها هو إقامة الانتخابات الرئاسية أولاً أم انتخابات مجلس الشعب، وهى الأسطوانة التى سيصدع الجميع بها رؤوسنا الفترة المقبلة ولا تعنى أحداً سوى المرشحين المحتملين والمنتظرين للرئاسة ومريديهم ودراويشهم، لكن ماذا فعل رئيس الجمهورية سعادة المستشار لإقامة دولة العدل فى مصر على القاصى والدانى فى الفترة المؤقتة التى سيحاسبه الله عليها حساباً يسيراً؟
ماذا فعل سيادة الرئيس مع بلطجة وزارة الداخلية التى أصبحت تقبض على الناس (عاطل فى باطل) على اعتبار أنهم من الإخوان المسلمين، ثم تهاجم مركزا حقوقيا فى أنصاص الليالى لتقبض عل محامين ويضرب ضباطها بعض محاميها والعاملين فيها ويعتدون عليهم فلا يحاسبهم أحد ولا ينتفض رجل العدالة للسيناريو المرعب لعودة «الداخلية» لسابق بلطجتها، تحت ستار الحرب على الإرهاب ومطاردة الإخوان المسلمين؟
ماذا فعل سيادة رئيس الجمهورية المنوط به الإشراف على تنفيذ بنود خارطة المستقبل فى ملف العدالة الانتقالية، والمصارحة والمصالحة، وهو بند أساسى لا يتكلم عنه أحد، وله وزارة صورية لا يفعل فيها أحد شيئاً يستحق الاهتمام؟ وماذا فعل سيادته فى ملف ميثاق الشرف الإعلامى والشتامين والمضللين وعرائس الجوانتى للأجهزة الأمنية لا يزالون فى أماكنهم فى محطاتهم التى يملكونها أو التى تحولت لمحطات ملاكى لأمن الدولة والمخابرات؟ ماذا فعل سيادة الرئيس، الذى يحترمه كل من يقابله ويجلس معه ويشيد بحكمته وثقافته، لكى يثبت للقاصى والدانى أنه رئيس الجمهورية بالفعل، ولا يكتفى بإصدار توجيهاته للتحقيق فى واقعة كذا أو أحداث كذا وهى التحقيقات التى نعرف جميعاً أن مصيرها هو «الطرمخة»؟ ماذا يفعل سيادة الرئيس لإقامة دولة العدل فى مصر، بحيث يحاسب كل من يرتكب ظلماً أو جريمة، أو يبغى فى أرض مصر فساداً أياً كان انتماؤه، سواء كان من الإخوان أو من غير الإخوان؟
ما أخبار فض «رابعة العدوية» معك؟ وهل كل من قُتل فيه إرهابى حقير يستحق القتل شر قتلة؟ وهل ستدعم التحقيق الذى دعا له المجلس الأعلى لحقوق الإنسان؟ وهل يجرؤ أحد على حساب الشرطة إن أخطأت؟
ما أخبار متابعته لملف مياه النيل الذى كان صداعاً فى رؤوس الجميع ثم أصبح ملفاً تافهاً لا يتحدث عنه أحد؟ وما توجيهاته التى تابعها فى حادثة سيارة ترحيلات أبوزعبل ومقتل زميلنا الصحفى تامر عبدالرؤوف فى كمين جيش؟
سيادة الرئيس..
نحلم بوطن تُحل فيه الأمور وتقام فيه دولة العدل دون تدخل الرئيس أكثر مما نحلم ببلد يحدث الظلم فيه آناء الليل وأطراف النهار مهما تدخل الرئيس على اعتبار أنه مؤقت.
أكتب هذا الكلام قبل لقائى بك، حتى أبرئ ذمتى لو لم أتحدث معك، وحتى لا يظننى بعض الحاضرين من المزايدين عليك لو طرحت هذه الأمور التى أثق أنها ليست فى جدول الأعمال، على أمل أن تدرك أننا لم نشعر بعدُ أن هذه هى مصر التى نحلم بها بعد ثورتين.. ليست كذلك أبداً يا سيادة الرئيس.