شارع طويل ممتد تتداخل به الأصوات بين سيارات بمنتصفه وأحاديث المارة والبائعين القادمين من كل حدب وصوب بكلا جانبيه، يتشاورون فيما بينهم، فبعضهم يرغب في شراء حمص وحلاوة لعائلاتهم، وآخرون تجذبهم الإكسسوارات متعددة الأشكال والألوان، فيما يتهافت أطفال على الألعاب البلاستيكية والطرابيش والورقية الملونة، احتفالا بالليلة الختامية من مولد السيدة زينب، حتى ينتهي الشارع بمسجدها الذي يقصده الآلاف في ذكرى مولدها كل عام.
سلع مكررة تتشابه بين الباعة كلما تخطو قدمًا بشارع بورسعيد بحي السيدة زينب، لكن شخصًا واحدًا ينفرد عن أقرانه بـ"سلعة" هي "الأرخص" على الإطلاق رغم عمق تأثيرها، إذ رفع لافتة كُتب عليها "الكتاب بجنيه.. والسعر موحد"، ليجذب أحمد عبدالله الدشناوي، رواد المولد من مختلف الأعمار نحو طاولته العامرة بالكتب القديمة والحديثة زهيدة الثمن، كلُ يختار ما يراه مناسبًا.
مكتبة بسور الأزبكية يمتلكها "أحمد"، الذي ورث حب القراءة وبيع الكتب عن جده، تحوي العديد من الروايات الحديثة والكتب الأجنبية وغيرها من الإصدارات متوسطة الثمن، لكنه لم يتردد في تخصيص ركن منها في أوقات متعددة خلال العام بسعر موحد لا يتجاوز الجنيه الواحد، كما ينتقل بها في أوقات المولد لجذب زوار "أم العواجز" نحو القراءة، ويقول لـ"الوطن": "بحرص إني أجيب كتب رخيصة علشان تنفع لزوار المولد، لأنهم ممكن يكونوا زباين لكتاب.. مش كل الناس عايزة حلويات ولعب".
يومان قضاهما الشاب "أحمد" في الشارع في الليلة الختامية لمولد السيدة زينب والليلة السابقة عليها، فهو يرى أنه الوقت الأنسب لزائري المقام من مختلف محافظات الجمهورية في اقتناء عدد من الكتب قبل العودة إلى ديارهم مجددًا: "بينتهزوا الفرصة علشان الكتب دي عندهم بـ5 و10 لكن هنا بجنيه بس علشان كده ممكن ياخدوا نحو 20 كتابا وأحيانًا 100 والواحد راجع بلده".
"الكتب الدينية والأذكار" هي الأكثر تداولًا بين زوار "أحمد" من المتوافدين على إحياء ذكرى حفيدة النبي، فالفئة العمرية المقبلة عليه هي كبار السن، رغم حرصه على تنويع مضمون الكتب المعروضة للبيع بين السياسي والديني والمغامرات والأدب العربي والساخر، لكن ما يزال اهتمام الشباب مرتكزًا على الروايات الحديثة والرعب والمغامرات، التي يرتفع سعرها عن 15 جنيهًا.
ويعكف "خدام العلم"، كما يحب أن يلقب نفسه، طوال العام على تجميع كل الكتب المتاحة للعرض بجنيه واحد، حتى يطرحهم مرة واحدة ويعيد الاستفادة منهم من جديد: "الكتب بتكون قديمة شوية أو الكتاب ماتباعش منه طبعات كتير علشان كده بنزلهم بسعر رخيص"، لكن حيلة لجذب القراء يتبعها "أحمد" عند عرض الكتب تعتمد على توزيع نحو 10 كتب قيّمة معهم لتوحي للمارة أن البقية بالأهمية ذاتها: "زي الكريز على التورتة علشان تشد الانتباه".
تعليقات الفيسبوك