المركب اللى عليها ريّسين تغرق.. واللى عليها 3 توصل القاهرة
من مكانهم فى مقدمة الباخرة يمكنهم رؤية كل شىء، صفحة النهر العريضة التى تمتد بامتداد الأفق، ضفتا النهر تتسعان حيناً وتضيقان فى أحيان أخرى، جزائر طينية تظهر وتختفى تبعاً لارتفاع مياه النهر أو انخفاضه، ووسط كل هذا على رؤساء الباخرة Club vision الثلاثة أن يفتحوا عيونهم ويقودوا بتركيز شديد، ليس فقط حفاظاً على الباخرة السياحية التى يعملون عليها، ولكن حفاظاً على أرواح السائحين الذين اعتادوا أن يحملوهم فى رحلات سياحية عبر النيل لسنوات طويلة.[Image_2]
«الريّس فتحى عبدالمعتمد»، 63 عاما، هو رئيس الباخرة، وهو أيضاً الذى يرأس الرئيسين الآخرين محجوب عبدالنعيم، 64 عاما، وأشرف مخلوف، 38 عاما، بالإضافة إلى 5 بحارة يخضعون لرئيس من بينهم يشرف على عملهم. ولأنه رئيسهم فيتلخص عمل «الريّس فتحى» فى قيادة الباخرة عبر تحريك الدفة بين يديه، وتشغيل ماكيناتها الأمامية والخلفية، يعاونه فى ذلك الرئيسان الآخران، أما البحارة الخمسة فيقومون بمهام ربط الباخرة وقت الرسو، وفك حبالها وقت القيام، ومراقبة رئيس المركب للتعلم منه، والحصول على الخبرات.[Quote_1]
ورغم وجود ثلاثة رؤساء على المركب فإن الذى يقوم بمهام القيادة مجتمعة هو «الرّيس فتحى»، يتحدث عن نفسه فيقول إنه مولود فى قرية الحاج قنديل شرق مركز دير مواس بمحافظة المنيا فى عام 1949، بدأ عمله فى البداية بحاراً صغيراً يساعد أخواله الذين كانوا يعملون على مراكب البضاعة بين الصعيد والإسكندرية عبر النيل وترعة النوبارية، حاملين على متن مراكبهم مواد غذائية، وفحماً يتاجرون بها أو ينقلونها لحساب الغير. انضم إليهم «الريّس فتحى» ولم يكد يتم عامه العشرين، وبعد فترة ليست قصيرة ترك العمل مع أخواله ليعمل فى شركة النيل للنقل المائى التابعة للقطاع العام، قبل أن ينتقل للعمل على المراكب السياحية.[Image_3]
يروى «الريّس فتحى» قصة انضمامه للعمل على البواخر السياحية: «سنة 1977 اشتغلت فى شركة حابى للسياحة، كانت تبع بطرس غالى الكبير، وكان المدير اللى بيشغلنا هو يوسف بطرس غالى»، وقتها كانت المراكب السياحية تعمل على خط أسوان - القاهرة فى نقل السائحين؛ حيث تبدأ تلك الرحلات من أسوان وتتوقف فى كل المدن التى تضم معابد قديمة حتى يتمكن السائحون من زيارتها، وهى رحلة يقول الريّس فتحى إنها كانت تستغرق 15 يوماً بين أسوان والقاهرة، وبدأت بحوالى 15 مركبا، قبل أن تنضم شركة شيراتون لها، وتدفع بمراكبها فى النيل؛ نظراً للإقبال الشديد من السائحين عليها، بالإضافة إلى بعض المصريين، يتذكر منهم الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل الذى يقول إنه أبحر معه مرة من أسوان للقاهرة فى رحلة دعا إليها هيكل عددا كبيرا من أصدقائه كان منهم الفنانة فاتن حمامة، وظلت الرحلات رائحة غادية بين القاهرة وأسوان حتى توقفت تماماً فى أعقاب حادث الأقصر.
بعد الحادث اقتصرت الرحلات النيلية على الإبحار بين الأقصر وأسوان، فيقول «الريس فتحى» إن أكثر من 500 مركب كانت تعمل على ذلك الخط، وإن عددا منهم كانت تعمل «فوق السد»، بين السد العالى ومدينة أبوسمبل لنقل السائحين بين معابد الدكة ووادى السبوع وعمدا وقصر أبريم ومعبد رمسيس الثانى بمدينة أبوسمبل، وهى الرحلات التى تعثرت بعد ثورة يناير، خاصة مع قلة أعداد السائحين الذين يفدون إلى مصر.
ومن «الريّس فتحى» إلى «الريّس محجوب عبدالنعيم بسيونى»، 64 سنة، الذى يعمل على الباخرة «ريّس أول».. يقول إن البحار العادى يجب أن يمر بعدة مراحل حتى يصبح «ريّس» فى النهاية، فيجب أن ينتقل من «بحارى» لـ«ريّس بحرية»، ثم «سكوندى ثالث»، فـ«سكوندى ثان»، فـ«سكوندى أول»، فـ«ريّس مركب»، ساعتها يتسلم باخرة ويقودها ويرأس من يعملون تحت قيادته، وهو يقول إن مراحل تنقل البحار بين الوظائف لا تشترط وقتا معينا؛ فهناك من يتعلم المهنة فى سنوات قليلة، وهناك من يمضى عمره كله بحاراً لا يترقى فى مجاله.[Quote_2]
وهو يقول: إن ترقى البحار يرتبط فى الأساس بقدرته على التعلم من رئيسه، فيعرف كيف يتصرف أثناء وجود المركب فى النيل، وكيف يتفادى جزيرة طينية، وكيف يلف أمام الكوبرى، وهى خبرة يخضع البحار لاختبارات لقياسها، ولا يرتقى فى وظيفته إلا بعد اجتياز تلك الاختبارات فى هيئة الملاحة، التى تمنحه فى النهاية رخصة الرتبة الجديدة التى ينتقل إليها.
أما «الريس أشرف مخلوف»، 38 سنة، «الريّس الثانى للمركب» فقد بدأ حياته بحاراً على مركب شراعى كان يعمل بين قريتى الدير الشرقى والسباعية بمحافظة قنا، قبل أن ينتقل للعمل على المراكب السياحية، يتذكر جيداً «عايدة 1» أول مركب سياحى ركبه، يقول إنه تكهن حالياً ولم يعد يعمل بعد أن كبرت سنه، ثم انتقل للعمل على بواخر أخرى بعد أن تدرج فى المهنة وحصل على رخصة «بحارى ماهر».[Quote_3]
ليست الرخصة فقط، وإنما أيضاً خبرته التى تلقاها عن أستاذ له فى المهنة، علمه كيف «يبحر»، وكيف «يحل»، وكيف «يرسو»، وهى فنيات يقول إنها لازمة للتدرج الوظيفى، كما يلزم البحار أن يتعرف على اتجاه الريح واتجاه المياه فى النيل التى يقول إنها متغيرة مع تغير مياه الفيضان، فيرتفع قاع النيل بانخفاض مياه الفيضان، وينخفض بارتفاعه، وعلى «ريّس المركب» أن يحفظ طريقه جيداً وسط الأراضى المنخفضة والمرتفعة حتى لا ينغرز، ولا يتحطم منه المركب.