كلمات المواساة كلها لن تُفلح فى إخماد نار الحسرة والألم المستعرة فى قلوب ذوى الضحايا والمصابين.. لكن وحدها كلمات الله سبحانه التى نقلها إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كافية عند المؤمنين لتحقيق ذلك: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدى؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدى؟ فيقولون: حمدك واسترجع -أى قال إنا لله وإنا إليه راجعون- فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدى بيتا فى الجنة وسموه بيت الحمد».
حالة مرفق النقل فى مصر يُرثى لها ولم تلحظ أى تقدم يُذكر من بعد الثورة وحتى لحظة الكارثة؛ فهى ما بين طرق متهالكة؛ وصيانة مهملة؛ وأنظمة سلامة معدومة؛ وموظفين لا يُرتقى بهم معيشياً ولا مهنياً؛ وغير ذلك كثير.. فما الذى ننتظره إلا حادثة تلو أخرى؟ ما الذى ننتظره للارتقاء بهذا القطاع تحديدا ًومصر هى أعلى دول العالم بلا منازع تعرضاً لحوادث الطرق.. ما الذى ننتظره وعدد الذين يقضون نحبهم سنوياً يوازى أعداد من يمكن أن نفقدهم فى حربٍ ضروس.. ولماذا نذهب إلى تعبيرات بلاغية؟ الواقع نفسه يشهد أن أعداد من قتلوا فى غارات الغدر الصهيونية حتى اللحظة أقل من عدد ضحايا أسيوط!
فتح الباب أمام شركات استثمار متخصصة نتعاقد معها بنظام الـ(BOT)؛ فتمول هذه الشركات تطوير شبكة المواصلات وطرق النقل مقابل تملكها فترةً محدودةً من الوقت ثم تعود ملكيتها للدولة؛ هو برأيى من أهم وسائل تطوير البنية التحتية المتهالكة بطريقةٍ لا تحمل الدولة عناء التمويل.
كارثة أسيوط كشفت عن غياب مفهوم إدارة الأزمات)؛ فيثور السؤال المتكرر مع كل بلاءٍ ينزل بساحتنا؛ أين فريق إدارة الأزمات القادر على وضع حلول غير تقليدية للتعامل السريع مع الأزمة والتدخل الفورى المحسوب بسيناريوهات مُعدة سلفاً لمواجهة الكارثة؟
وبلا شك لا يمكن الاعتراض على محاسبة صاحب المسئولية المباشرة لتقصيره وإهماله؛ لكن مسألة المسئولية السياسية ينبغى أن لا تجنح بنا إلى إدمان تسكين الألم بتقديم كبش الفداء؛ لأن جذور المشاكل المزمنة تظل كامنةً تحت السطح كما هى تنتظر مصيبةً جديدة كى تعلن عن نفسها! لذا وحتى لا تتكرر فصول المأساة يحتاج الأمر إلى رؤية استراتيجية ثاقبة- وهى التى تفتقدها الحكومة الحالية بلا شك- ومن ثم ترتيب أولويات يُبنى على (درء المفاسد) وتقليل احتمالات وقوع المصائب والكوارث.
أمّا على صعيد العلاج قصير المدى فمهما تكن عبقرية الحلول فلن تعدو كونها تخفيفاً من وقع الكارثة على أهالى الضحايا ليس أكثر؛ مادياً بصرف قيمة (دية القتل الخطأ) فوراً؛ وأنا هنا أتكلم عن سبعمائة وخمسين ألف جنيه للفرد الواحد على أقل تقدير وليست حفنة الجنيهات التى أعلن عنها الرئيس!