أستطيع أن أتفهم رغبة السلطة فى التكتم على بعض المعلومات التى تتعلق بتعاملها مع الإرهاب والإرهابيين، طالما كان هذا التكتم يصب فى اتجاه حماية الجنود المشاركين فيها، لكن ما لا أستطيع أن أتفهمه حقيقة هو أن يتم مد خط التعتيم على استقامته، أو أن يتم بث معلومات غير دقيقة عن بعض الأحداث، ليتم بث معلومات أخرى بعد ذلك مناقضة لها، بصورة تؤدى إلى إرباك الرأى العام. التكتم خلال التعامل مع أحداث معينة وارد، لكن مد خط التعتيم بعد الانتهاء منه أمر غير موضوعى، خصوصاً أننا نعيش عصراً أصبحت المعلومات فيه ملقاة على قارعة الطريق السريع للمعلومات، الأمر الذى يفرض على من يرى أننا نتعرض لحرب المعلومات أن يستوعب أن السلاح الحقيقى لمواجهة هذه المعركة هو المعلومات نفسها، وليس التعتيم.
أقول ذلك بمناسبة تلك الواقعة التى شهدتها منطقة الواحات، وقامت قوات الأمن خلالها بقتل 12 مواطناً مكسيكياً ومصرياً ضمن فوج سياحى ساقه حظه العاثر إلى المنطقة أثناء مواجهة كانت تخوضها قوات الشرطة ضد مجموعة من الإرهابيين بالمنطقة الغربية على الحدود المصرية الليبية، فقد صدر أول بيان للداخلية حول الواقعة خلال ساعات المساء المتأخرة، رغم أن الواقعة حدثت بعد الظهر، كما أفاد أحد شهود العيان، وظنى أن الداخلية لم تتحرك، إلا بعد أن بدأت المعلومات تتدفق عبر وسائل إعلام خارجية، بعضها يتعامل بمهنية، وأكثرها أبعد ما يكون عن ذلك. لم يقدم بيان الداخلية معلومات تفصيلية، كانت مواقع أخرى قد بدأت فى بثها عن الحدث، ثم بدأت المعلومات تتضارب، بصورة غير مفهومة السبب ولا الهدف، حول الجهة التى تعاملت مع الإرهابيين، وقتلت بالخطأ أفراد الفوج السياحى، والطريقة التى تم قتل وإصابة الضحايا بها!.
ليس ذلك وفقط، ففى حين أكدت الجهات المعنية فى مصر مقتل 8 مكسيكيين فى الحادثة، خرج مسئولون مكسيكيون، من بينهم رئيس الجمهورية، يشير إلى مقتل مواطنين اثنين فقط، وذلك فى تويتة أعرب فيها عن استيائه مما حدث، وهو ما أكده أيضاً مسئولون آخرون، بعد ساعات من تويتة الرئيس، والمواطن الذى تابع هذا التضارب احتار فى الأمر ولم يعد متأكداً من عدد القتلى المصريين، وهل هم أربعة أم عشرة؟!. ومؤكد أنه سأل نفسه أيضاً عن الحكمة التى تقف وراء عدم دقة أى من الطرفين المصرى أو المكسيكى فى تحديد عدد القتلى لديه!.
فى قلب هذه المأساة خرجت الكوميديا من وكالة أنباء الشرق الأوسط، الوكالة الرسمية للبلاد، والمسئولة عن ضخ معلومات يستهدف صانع القرار بثها إلى العالم، خصوصاً فيما يتعلق بالأحداث التى تكتسب زخماً دولياً تكون مصر طرفاً فيه، مثل حادث مقتل السياح المكسيكيين بواحة الفرافرة. تداولت بعض المواقع الإخبارية خبراً منسوباً إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط يقول إن رئاسة الجمهورية أوفدت أمين رئاسة الجمهورية إلى السفارة المكسيكية بالقاهرة للتهنئة بالعيد القومى لدولة المكسيك!. ذلك هو الخبر الذى تمخضت عنه الوكالة فى مشهد يدلل على حجم البؤس الذى يعيشه الإعلام الذى يسكن دوائر التعتيم!.