«الخرفان» ما تحلاش إلا لو «تربية بيتى».. ومن «إيدين ناعمة»
«الخرفان» ما تحلاش إلا لو «تربية بيتى».. ومن «إيدين ناعمة»
«روايح» وابنتها فى شادر الأغنام
يوم الجمعة من كل أسبوع يأتى على البعض بلهفة، لأنه يوم الراحة الوحيد والإجازة الرسمية من متاعب العمل الأسبوعى، وعلى آخرين هو موسم أسبوعى لكسب الرزق والتجارة، خاصة إن كانت تربية الأغنام والماشية، يتوجه الرجال بسياراتهم النصف نقل حاملين معهم ما تعبوا على تربيته من حيوانات وفى الوقت نفسه تتصدر سيدات المشهد لا تفرقة بينهن وبين الرجال فى القوة والصلابة والتحكم فى التعامل مع الحيوانات سوى فى أنهن سيدات اخترن الطريق الأصعب لكسب الرزق، يقفن فى الأسواق أسبوعياً وفى المواسم مثل عيد الأضحى يومياً، يتطلعن إلى الزبائن، يتحملن «الفصال» والتشكيك فى صحة الماشية ولديهن رد على كل شىء، ينسين وقتها أنهن فى النهاية من «الجنس الناعم» وقتها فقط إذا كان التاجر يقال له معلم، فهى تجبر من حولها على أن ينادوها بـ«المعلمة».
«كوثر»: ورثت تجارة المواشى عن عائلتى.. و«روايح»: بنربيهم على أكل نضيف ومضمون.. و«شيماء»: بساعد جوزى فى «أكل العيش»
«أم على» سيدة جاوزت الـ70 من عمرها، تجلس على كرسى بلاستيكى ممسكة بيدها «خرطوم» وكأنه عصا لمساعدتها فى التعامل مع الأغنام، تنزل إلى سوق منطقة الدراسة بشكل يومى، خاصة فى موسم عيد الأضحى الذى تجهز له منذ شهر، رغم كبر سنها فإن الابتسامة لا تزال ترتسم حينما يحدثها أحد عن تلك الحيوانات المسئولة منها، «أنا اللى بربيهم تربية بيتى احنا مش تجار دى هواية وبنسترزق بيها فى العيد».
السيدة السبعينية التى بدأت عملها كـ«معلمة» بهدف مساعدة ابن شقيقتها فى تجارته بعد أن قُدر لها عدم الإنجاب، بات شغلها الشاغل هو مراقبة أغنامها وإطعامها بالماء والأكل، فهى صاحبة الأمر والنهى فيما تملك وتربى، توظف عدداً من الرجال للمناوبة المسائية ووقت النوم، يوميات تسطرها كل يوم فى موسم «العيد الكبير» فتقول «عندى زريبة بعد حى الدراسة، لكن الشوية دول للعيد مش للتجارة، الخروف السوقى غير المتربى فى البيت».
المعاملة بالمثل فى الحى الشعبى الذى يشتهر بتلك التجارة، فثمة اتفاق فيما بين «أم على» وجيرانها بأن الخراف «مناولة مش مقاولة»، سواء فى الوزن أو المواصفات المحددة التى يطلبها الزبون، لا تفضل «أم على» الذهاب مع الزبون أو إحضار الجزارين بل تكتفى ببيع ما يوجد لديها من خراف، بالنسبة لكبر سنها فهى مهنة تضع عليها أعباء إضافية، كما أنها لا تمتلك رأس المال لتلك الخراف وإنما هى مجرد ملاحظة لها، ابن شقيقتها لا يتركها دون سد احتياجاتها، ولكنها تعتمد فى مصاريفها على معاش زوجها، ولا يوجد لديها راتب ثابت.
إما بدافع الوراثة أو كسب الرزق باتت حرفة تربية الماشية سمة تتميز بها سيدات منطقة الدراسة، الأمر الذى أكدته «كوثر» فى حكايتها مع تربية الأغنام وهى تقف أمام منزلها فى وسط الطريق تحرسها وتباشر إطعامها، فقالت «تجارة الغنم والمواشى قصة كبيرة ورثتها عن عيلتى اللى اشتغلوا فيها لسنوات، وأنا جه عليَّا الدور أزودها وأحافظ عليها وزودتها كمان بمحل جزارة».
غالباً ما تقضى «كوثر» يومها بالكامل حول أغنامها، خاصة فى موسم العيد الذى تبدأ تحضيراته فى وقت مبكر، مع بداية اليوم تطعمها، ثم تقدم الماء، وتستطيع حملها للميزان لبيعها للزبائن، كثير من المتاعب تقابلها فى نظافة الخراف ومكان معيشتها حيث تقف فى الشارع أسفل منزلها.
بعد مسافة بسيطة وتحديداً وسط العائلة فى ميدان الجيش، كانت تذهب ذهاباً وإياباً خلف الأبقار والعجول والخراف، جميع أنواع المواشى وأحجامها تستطيع «روايح» التحكم فيها، ابنتاها جنا وأوشين تجريان وتأخذان من «الشادر» مكاناً للفسحة، خاصة وقت العيد، منذ الصباح وحتى آخر اليوم، منذ 25 عاماً لا تعرف المعلمة روايح عملاً غيره، بعد أن تزوجت من رجل يمتهن بيع الغنم، فأصبح مكان الشادر فى الشارع هو تجمع عائلى وسط أبنائها من الذكور والإناث، خاصة فى موسم العيد الذى تجهز له بعد انتهاء عيد الفطر.
تقع «الزريبة» التى يبيت فيها الغنم داخل منطقة الجيش، على مقربة من منزل روايح، اعتادت أن تقدم للخراف العلف والماء اللازم لها، تتفهم حاجة الزبون للنوع والحجم «من كلام الزبون بس بعرف طلبه وبجيبهوله»، فهى مهنتها طوال العام وليس موسم العيد فقط، ولكنها تحرص على أن يتم أبناؤها الدراسة فى جو هادئ بعيداً عن تربيتها للحيوانات.
الأصل فى عمل «روايح» هو مساعدة زوجها، ولكن بعد أن احترفت المهنة قررت أن يكون عملها وتكسب منه رزقها، وأصبحت تأخذ راتباً شهرياً مقابل القيام بتربية الغنم ورعايتها، بالإضافة إلى المصروف الشهرى الطبيعى الذى تأخذه من زوجها كذلك، «دى حاجة ودى حاجة أنا بشتغل لازم آخد مرتب»، وعلى الرغم من ذلك ترى أن المهنة لا تدر دخلاً مالياً مناسباً على أسرتها ولكن هى مهنة الأسرة فيجب المحافظة عليها مهما كلف الأمر.
أكثر ما أثر على عمل «روايح» هو ركود التجارة منذ ثورة يناير، وهو ما أصاب معظم أصحاب الأعمال الحرة، وعندما بدأ الحال يتحسن رويداً انقلب الأمر عليها بحملة مكافحة اللحوم، التى تراها ظالمة إلى حد كبير لتجار اللحمة، «انتو بتقولوا إننا بنغلى وأصلاً سعر شوال الردة بـ100 جنيه بعد ما كان بـ20 وكمان العلف ورعاية الحيوان مش بسيطة».
دور «روايح» لا يتوقف على تربية الغنم، بل يمتد إلى ما هو أكثر من ذلك، فإذا احتاج الزبون إلى من يذبح يكون زوجها هو الجزار وهى المساعدة له، فى الذبح ثم السلخ والتقطيع والتقسيم داخل أكياس، وهو ما تراه دورها الطبيعى داخل الأسرة خاصة إذا ما امتهنت العائلة تجارة المواشى.
وعلى خطا «روايح» عملت «شيماء» فى تربية الماشية عن طريق زوجها أيضاً، تقف فى الشارع منذ الظهيرة وحتى الليل بجانب الأبقار والخراف، وطوال الصيف تعمل وليس فى موسم العيد فقط، ولكن الركود يؤثر كثيراً على بيع اللحوم، فطوال العام يمكن ألا تبيع من الغنم إلا وقت العيد، على أن يكون سعر البقرى 35 جنيهاً، بينما الأغنام 38 جنيهاً، وتعتمد فى تجارتها على الزبائن التى تتعامل معها منذ سنوات، «معظم الجديد بييجى يتفرج على الغنم ويمشى ومحدش بيشترى»، حملة اللحوم كذلك أثرت كثيراً على العمل، ولهذا لا ترغب فيها كمهنة لأبنائها من الذكور، ولكن المستقبل أفضل مع التعليم.
ومن قلب سوق الجيش يتركز عمل «أم بلال» على الحسابات، وعد المواشى ومرافقتها طوال موسم العيد، وإدارة «الصنايعية»، وتقييد الموازين وإضافة الأغنام التى تباع أو تضاف فى الأجندة، وساعدها فى ذلك تعليمها حتى الشهادة الإعدادية، أم بلال هى مساعدة زوجها الوحيدة، بعد أن كان تهاب التعامل أو الاقتراب من المواشى والأغنام فى بداية الزواج، حتى أصبح دورها كبيراً أول يوم العيد، «بساعد فى الدبح وبسمط وبسلخ وبجوّف وبشيل الجلد من اللحم واعمل كل حاجة»، تعترف أم بلال أنه عمل الرجال ولكنها كذلك تعد نفسها منهم بعد أن استطاعت أن تنجح فى عملها، «احنا ستات بـ100 راجل ونعرف نشيل الشغل وأحسن منهم».