تعلمت من التاريخ وحوادثه أن مَن بيده المنح بيده المنع فى أى لحظة. ولذا تسعنى دولة القانون بشكل أكبر وتمنحنى الطمأنينة فى حال سيطرتها على المجتمع الرافع لشعار العدالة والمساواة بين الجميع. لذا، ومع احترامى للقرار وتقديرى لكل الآراء التى رحبت به، فإننى توقفت كثيراً أمام قرار الرئيس السيسى قبل ساعات من عيد الأضحى بالإفراج عن قائمة ضمت مائة من الشباب مع اختلاف التهم التى كانوا يعاقبون بسببها وتنوع العقوبات المستحقة عليهم. وأطلت الأسئلة برؤوسها تلح على عقلى وأنا أتابع قراءة القرار وبعض ما جاء به من أسماء. ففيما يتعلق بالنشطاء السياسيين من أمثال: عمر الحاذق وبيتر جلال يوسف وسناء سيف ويارا سلام، راودنى السؤال عن سبب اختيارهم دون غيرهم ممن اتهموا معهم فى قضايا تتعلق بخرق قانون التظاهر أو الاحتكاك بالأمن، فإذا كانت المساواة فى الظلم عدلاً، فإن المساواة فى تطبيق العدالة حق. وإذا كان قرار العفو قد رأى لهؤلاء حقاً فى الحرية، فلماذا لم يرَ الحق ذاته لمن كانوا معهم؟ ثم على أى أساس جاء قرار العفو الرئاسى عن هؤلاء؟ وإذا كان الرئيس يلتمس لهؤلاء المحكوم عليهم من النشطاء فى قضايا خرق قانون التظاهر بعضاً من عذر، فلماذا لا نلتمسه للآخرين ونمارس معهم العفو المشروط ذاته -كما كتبت مراراً من قبل- بالتوعية والنقاش فى اتجاهين لاحتواء شباب أصاب الكثيرين منهم المسخ الفكرى والخلقى، وسماع آراء تحتاج للتصويب كى يعاد تأهيلهم بما يناسب المجتمع ويحمى أمنه؟
لم أجد إجابات لتساؤلاتى التى أصابت عقلى بالحيرة ومنعتنى من استقبال قرار العفو عن هؤلاء بالتأييد والترحيب كما فعل آخرون. فقد علمونا فى المنطق أن ندرس المسائل بهدوء فنضع لها مقدمات صحيحة لنصل لنتائج صحيحة.
كنت من المؤيدين لإصدار قانون التظاهر فى بلادى مع التحفظ على بعض مواده التى تمنيت لو تم نقاشها بين الجميع للخروج بصيغة نهائية أفضل لها، ولكن ما إن صدر القانون حتى أعلنت التزامى به -مع استمرار تحفظى- احتراماً لهيبة الدولة وقدرتها على الدفاع عن نفسها فى ظل هجمة شرسة على المنطقة بأسرها. ولكن لن ينصلح حال بلد تطبق القانون بمنطق العفو وقتما شاءت السلطة فيه.
وإن تعجبت للنشطاء، فقد بكيت عندما وجدت اسمَى محمد فهمى وباهر محمد صحفيَى «الجزيرة» المحكوم عليهم بالسجن 3 سنوات فى القضية المعروفة باسم «خلية الماريوت»، ضمن قائمة المفرج عنهم. فأصبت بالإحباط والحزن فى آن واحد لأنهما مارسا الخيانة والتضليل ونشر الأخبار الكاذبة باعترافهما وبأقوالهما أمام المحكمة وفى المواقع الإخبارية السياسية الأمريكية. فمحمد فهمى كتب مقالاً فى موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بتاريخ 15 يونيو الماضى تضمن اعترافاته بمعرفته بما قامت به شبكة الجزيرة تجاه مصر عبر تحوير الرسائل الإخبارية التى قاموا ببثها للشبكة، ودعم الإخوان وتابعيهم بالمال وآلات التصوير لتسجيل مسيراتهم وتمويل المشاركين بها، وطمأنة إدارة «الجزيرة» له حينما كان يحذرهم ويبثهم مخاوفه بأن ما يفعلونه يعرضهم للخطر كصحفيين، لا دفاعاً عن بلاده وأمنها، وكيف أن باهر محمد زميله ترجم حواراً للرئيس السيسى أخرجته «الجزيرة» عن سياقه ليبدو وكأن الرئيس يحرض على الحرب الأهلية فى مصر! كما أن محمد فهمى تنازل عن جنسيته المصرية طوعاً واختار جنسية كندا التى تنتظر عودته لها، حسبما أعلنت! وقد نشرت كل هذا فى مقال بالأهرام المسائى تضمن «لينك» مقال محمد فهمى ثانى أيام الحكم عليه كان عنوانه «لمن يتحدثون عن حقوق الصحفيين.. ماذا عن حقوق الأوطان؟»، فإن لم يكن ما فعله «فهمى» وزميله المفرج عنهما خيانةً، فماذا تسمى فى عرف قرار العفو الرئاسى؟ لقد قبضا مالاً تحت مسمى العمل المهنى لقناة تتبع الـ«سى آى إيه» مباشرة، وارتضيا ما حصلا عليه رغم إضراره بالوطن وسمعته، وعلما أن ما يفعلانه لا يصب إلا فى صالح جماعة إرهابية استخدمت ما يقدمانه للترويج لفكرها الشاذ. فإذا لم تكن تلك خيانة فماذا نطلق عليها؟
.. لذا، وأياً كانت المبررات، سيدى الرئيس.. تعجبت من قرار العفو عن النشطاء ولم يقبله عقلى، وأبكانى قرار العفو عن الخائنين ورفضه ضميرى. ولذا أستغيث بدولة القانون.