«لا بحبك ولا أقدر على بعدك» بهذا المنطق تعاملت دولة بريطانيا العظمى مع زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فالإمبراطورية السابقة دبرت للضيف سلسلة من اللقاءات الإيجابية والزيارات المهمة المؤثرة، وفى الوقت نفسه استقبلته بسيل تصريحات سلبية قاتلة وترجيحات عن احتمالات تفجير الطائرة الروسية المنكوبة فى سماء سيناء عبر إرهابيين.
وبغض النظر عن صحة هذه الترجيحات من عدمها، وهذه ليست القضية، إنما السؤال لماذا تصدر بريطانيا هذه التصريحات متواكبة مع بدء «السيسى» زيارته وكأنهم يعلمون الحقائق من مصادرها؟! وكأنك فى عمل درامى متقن يساهم الشرير فى ارتكاب الجريمة ويتهم الآخرين ولمَ لا فهو من يعلم هذا الجانى وهو من حثه على ارتكاب هذه الجريمة الإرهابية؟!
«لف وارجع تانى» معنى آخر ينطبق على خبر طيرته وكالات الأنباء بعد لقاء «كاميرون» و«السيسى» مؤداه أن بريطانيا تراجعت عن قرارها فى شأن رحلاتها وطائراتها إلى شرم الشيخ بعد الاتفاق مع مصر على إجراءات أمنية إضافية!! لماذا غيرت بريطانيا العظمى مواقفها؟! فلو كان الإرهابيون قد اخترقوا الإجراءات الأمنية فما الذى يمنعهم عن فعل ذلك مجدداً هنا أو هناك؟ ولو كانت المسألة فى المخاوف من الترتيبات الأمنية فقط وليس من تفجير الطائرة فلماذا حالة الرعب الذى تسببت فيها بريطانيا للعالم أجمع؟
هذا الموقف أعاد للذاكرة مباشرة ما فعله السفير البريطانى فى ديسمبر الماضى من ضجة هائلة عن مخاوف من عمليات إرهابية ضد السفارة والتهديد بإجراءات وتقليص النشاط وتبعه فى ذلك بعض السفارات الدائرة فى الفلك البريطانى، فتعرض الموسم السياحى - العام الجديد والشتاء آنذاك- لضربة مؤلمة وبعدها سحب السفير كل ما أعلنه من تهديدات.
العلاقات مع مصر جوهرية، ولا يستطيع أى محلل أو سياسى فى العالم أن يتجاهل دور مصر الإقليمى والدولى، سواء كانت قوية أو ضعيفة، تابعة أو محايدة، لكن الفارق بين التعامل بإيجابية مع هذا الدور وبين محاولات استيعابه لتوظيفه ومنعه من النهوض فارق كبير يجب الانتباه له.
فى ظنى أن الغرب يشعر بالقلق من الدولة المصرية، وهو شعور دائم وليس وقتياً، ويرتبط الموقف بثورة يونيو التى استقبلوها بتوتر وعداوة فى البداية على عكس ما فعلوه قبل ذلك بعامين فى يناير، وبطريق مغاير تماماً فى التعامل مع تداعيات الحدثين والموقف منهما دعماً أو حصاراً.
وفى ظنى أيضاً أن الموقف المصرى القوى الواضح والفاعل المؤثر فى التعامل مع الإرهاب بالمنطقة، والأداء المتزن الناجح فى عدم الاندفاع أو التورط فى مواقف ضارة، مع القدرة على جذب أطراف وتحقيق تبدلات فى التوازنات الإقليمية، كلها عوامل تفسد تصور تحويل الإقليم إلى منطقة نزاعات مسلحة، وهى أيضاً التى أعادت الفزع إلى ذهنية الغرب وجددت فى دماء سياساته فيروسات العداء.
لست ممن يعتقدون أن للأوروبيين موقفاً محايداً أو متوازناً تجاه مصر، واعتقادى أن مساحات الخلاف معهم ما زالت شاسعة، لكنهم لا يستطيعون فى المقابل تجاهل الدور المصرى، لذلك يسعون إلى وضعنا دائماً على حافة الهاوية، ويتبقى السؤال: لماذا لم يُدن «كاميرون» التفجير لو كان إرهابياً؟ ومن سيتحمل فاتورة الأضرار الفادحة التى ستلحق بالشعب المصرى إذا لم يثبت فعل إرهابى وراء كارثة الطائرة، وحتى لو ثبت، فلماذا تلك التداعيات التى لم نرها فى طائرة أوكرانيا ولم تحدث فى كارثة طائرة جنوب السودان، وإنما نراها فقط فى شرم الشيخ؟!