التوصيف التقليدى لظروفٍ غارقة فى الاستثنائية أمر لن يجدى هاهنا؛ فعلام إذن أطيل النفس فى التنقيب عمن أيَّد ومن عارض وقد لاح لكل ذى عينين أن المسألة كانت منذ البداية، وربما ستظل إلى أجلٍ غير قريب، تنازعٌ بين الشرعية المكتسبة وبين تلك المصطنعة!
لم يكن إعلاناً دستورياً بقدر ما كان ضربة تستبق محاولات تقويض شرعية الرئيس، فإرهاصات إعادة المجلس العسكرى القديم بكامل صلاحياته وحل مجلس الشورى (آخر المجالس المنتخبة) وحل «التأسيسية» كانت باديةً فى الأفق.
يقولون تغوّل السلطة التنفيذية على غيرها، لماذا لم تثَر إذن ثائرتكم يوم حل مجلس الشعب فى سابقة لم تحدث فى تاريخ البشرية المعاصر إن كنتم صادقين؟ المحكمة الدستورية عاقبت شعباً على خطأ إجرائى وقع فيه المجلس العسكرى وضربت بعرض الحائط التجربة الديمقراطية النزيهة فريدة الطراز التى خاضها هذا الشعب لأول مرةٍ بعد ستين عاماً من الاستبداد والطغيان.
حدثنى عن تغوّل السلطات عندما تدخلت المحكمة الإدارية العليا (سلطة قضائية) فى صلب اختصاص البرلمان (السلطة التشريعية) يوم أن قضت بحل الجمعية التأسيسية الأولى.
حدثنى أكثرعن إعلانٍ دستورى جائر أصدره مجلسٌ عسكرىٌ، «العسكرى» غير منتخب ليقيد صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب ويغلّ يده إلى عنقه.
أحدثك أنا عن رئيسٍ منتخب حصّن مجلساً منتخباً وهيئةً تأسيسيةً منتخبة من بطش نائبٍ عامٍ معين وقضاة معينين -بعضهم عينته سوزان مبارك- أثبتت التجربة أنهم وراء كل... ولا بلاش!
الإعلان وضع جدولاً زمنياً للخروج من حالة السيولة والضبابية السياسية التى تحياها مصر، لكن أحد أهم أركان المشكلة أن كثيراً من الرموز العلمانية مصرّةٌ على إدخالنا فى دوامة لا تنتهى بتعطيل خروج دستور ومن ثم تعطيل إجراء انتخابات برلمانية... يخشى الانتخابات القادمة كالموت أو أشد خشية، إذ إنها ستعنى نهاية كل الشرعيات المصطنعة وبدايةً لاستقرارٍ حقيقى تتناغم فيه السلطات الثلاث لأربع سنوات مقبلة... أهمس فى آذانكم: (البعض يخشى -بل هو مرعوب- من تكرار نموذج حزب العدالة والتنمية التركى).
أهلا ًبمعارضة وطنية تحترم شعبها وتحافظ على مكتسباته ومقدراته، أما معارضة تقود صبيةً لرشق مجلسى الشعب والشورى بالحجارة وقنابل المولوتوف وحرق مقرات حزبٍ آخر لو كان عُشر معشاره قد وقع لأقل حزبٍ من أحزاب المعارضة جراء تظاهرةٍ دعت إليها أحزابٌ إسلامية لقامت الدنيا ولم تقعد ولظللنا فى كربلائيات العرض المستمر إلى ما شاء الله.