بمناسبة الانتخابات البرلمانية التى شارفت على اكتمالها، وهى من الناحية النظرية تدفع ثورة 30 يونيو فى طريق صناعة مجموعة سياسيين يعبرون عنها، ليس شرطاً أن يكونوا مؤيدين لها، فداخل هذه الصناعة سيكون هناك كافة المنتجات الصالحة والطالحة والمعارضة وحتى الغرائبية منها، فالنظرية تذكر أنه لا بد سيكون هناك نجوم جدد ومجموعات وأحزاب جديدة وتيارات متباينة تتشكل على خلفية حدث بحجم ثورة 30 يونيو. وعابراً نقف أمام نموذج عبدالمنعم أبوالفتوح، الطبيب الذى يعمل بالسياسة الآن ويشغل منصب رئيس حزب مصر القوية، اتخذ حزبه قراراً يبدو سياسياً بمقاطعة انتخابات البرلمان لأسباب عدم ارتياحه وحزبه للمناخ العام الذى ستُجرى فيه، وهو تقييم يشاركه فيه كثيرون من العامة والخاصة، لكن كونه سياسياً فالمتوقع النظرى أن تكون مهمته الرئيسية هى صناعة وتصويب هذا المناخ العام، هذه المهمة هى الخيار الجاد والأعلى كُلفة فى ميزان الجهد، مما دفع عبدالمنعم أبوالفتوح، الرجل السبعينى، إلى أن يهرب من تلك الكلفة ومن ميزان التقييم الشعبى له ولحزبه، واكتفى بمساحة من الجهد تتناسب مع السن ومتطلباته، فهو على بعد مسافة قصيرة من الثمانين، لذلك فات أوان إمكانية تحمل عبء خوض تفاصيل السياسة التى يمتهنها الآن، وبالكاد يمكن فقط استثمار المتبقى من الوقت بإثارة بعض الضجيج باللقاءات الإعلامية والتصريحات المثيرة. النظرية فى نموذج «أبوالفتوح» تضع نشاطه اليوم فى وجوب استثمار خبراته السياسية فى صناعة كوادر وصفوف جديدة بداخل حزبه لخوض غمار المنافسة مع آخرين، لكن تلك الصناعة هناك فى طريقها بعض من العثرات الضخمة التى لم يشغل «أبوالفتوح» باله بها، فهو رغم امتلاكه لوقت فراغ عريض منذ عام 2013 إلى الآن لم يستثمر منه شيئاً فى حل تلك العثرات، فحزبه يوصف بحزب الرجل الواحد، فلا أحد يعرف اسماً واحداً ثانياً بداخله، وهو عنوان أزمته الحادة، فحتى هذا الرجل الواحد «أبوالفتوح» نفسه لا يمتلك ما يمكن أن ينقله لأحد كتجربة سياسية، فجل سنين عمره المديد قضاها ما بين نشاطين لا ثالث لهما، أولهما حياته الطلابية، وهو كان فيها نجم الإحياء الثانى لجماعة الإخوان عندما كرّس جهده فى تجنيد طلاب التيار الإسلامى بالجامعات لضمهم ككوادر بالتنظيم، وهى المفخرة التى ظل طوال حياته التنظيمية ينتظر ثمنها من مكتب الإرشاد، لكنهم أطالوا تسويفهم حتى خرج غير مأسوف عليه بعد أن ظهر طامح آخر أكثر براعة منه هو خيرت الشاطر فقطع الطريق عليه إلى الأبد.
النشاط الثانى الذى شغل فيه «أبوالفتوح» أيام كهولته: العمل بهيئة الإغاثة الإسلامية التابعة لنقابة الأطباء، ولأن هذا هو المشوار الأطول، فإن به الكثير من الألغام التى لم تفكك حتى اليوم، فبسبب تنامى ظاهرة الإرهاب الآن حفلت أرفف المكتبات بمئات من الكتب التى تتحدث عن التنظيمات الإرهابية وفصولها، وبسبب تقادم الأحداث انفلت كثير مما كان أسراراً فحفلت الكتابات بوقائع وأسماء لم يسلم منها «أبوالفتوح»، فمنهم من ذكر هيئة الإغاثة وأبوالفتوح تلميحاً أو تصريحاً بالاسم كونهم كانوا ممولين لتنظيم القاعدة فى سنواته الأولى، وأن نشاط الهيئة كان الجسر الذى تعبر منه تبرعات البسطاء وغيرهم من الممولين إلى حقبة الجهاد الأفغانى، وهى المدرسة التى صنعت بإتقان قادة الإرهاب الحالى، وزيارة واحدة لإحدى تلك المكتبات ستذهل «أبوالفتوح» عما يقوم به تماماً.
«أبوالفتوح» نموذج عابر لسياسى أدعو السياسيين الجدد للنظر إليه، فالتاريخ الشخصى مهما كُتب بحروف سرية فلابد له أن يقابل صاحبه حتى ولو بسبب غرائبى كظهور داعش مثلاً، وأن لكل سياسى تاريخ نهاية صلاحية، فعلى المقبلين منهم الحرص على ترتيب أوضاع النهاية بمحطات مشرفة من العمل الحقيقى الواضح فى النور، فانطفاء الأضواء من حول السياسى وغياب الميكروفون هما الامتحان الأصعب الذى يحتاج إلى صلابة الرجال لاجتيازه.