خلافاً للعادة المستقرة سأبدأ بالتنويه قبل الدخول فى التفاصيل:
«أنصح لكل قارئٍ غير قادر على مناقشة ما سيرد فى المقال مناقشةً موضوعية غير متشنجة ولا متعصبة للأشخاص أن يبدأ شتيمتى من الآن ولا يكلف نفسه عناء النظر فيما كتبت، وأنا مسامحه ابتداءً لا أطالبه بشىء بين يدى الله سبحانه وتعالى».
د. البرادعى.. فى أسبوعٍ واحد تصُك آذاننا تصريحاته الشاذة مرتين متتاليتين فى إحداهما يُعلن صراحة انتظاره لبيان أمريكى وآخر أوروبى بشأن الإعلان الدستورى الأخير، والأخرى بتصريحه لمجلة «دير شبيجل» الألمانية عن أسباب انسحاب بعض أفراد التيار الليبرالى من الجمعية التأسيسية فيقول: «بسبب وجود أفراد داخل الجمعية التأسيسية لا يؤمنون بالهولوكوست ويحرمون الموسيقى!».
طبعاً «البرادعى» لم يكن ضمن أعضاء الجمعية ليتحدث باسم المنسحبين منها ويشرح دوافعهم، وأغلب ظنى أن أحداً من الزملاء لم يصرح بمثل هذا الشذوذ الفكرى فى أى وسيلة إعلام.. تبقى لنا إذن أن ننتقى احتمالاً من بين اثنين: إما أن «البرادعى» ينصب لنا محاكم تفتيش عنصرية جديدة فيمنع من دخول الجمعية كل من لا يعتنق ذات الأفكار التى يؤمن بها، أو أنه يذكر هذه التفصيلة تحديداً وفى ألمانيا خاصة ليستعدى الأوروبيين على شركاء وطنه بجرأةٍ منقطعة النظير.
أضف إلى ذلك أنه منذ أقل من عشرة أيام وفى الوقت الذى أدانت فيه أغلب الشخصيات العامة فى مصر بوضوح وبمنتهى القوة العدوان الصهيونى المسعور على إخواننا فى غزة، أتت كلمات «البرادعى» باهتةً ميتةً تسوى بين الجلاد والضحية بزعم أنها ترفض وقوع الضحايا من الطرفين.. أدركت حجم المشكلة؟
طبعاً لا أحتاج للتأكيد أننا لا نقف مع طاغية مثل «هتلر» فى نفس الخندق فنقبل بحرق البشر أياً ما كانت عقائدهم أو انتماءاتهم؛ لأن نبينا، صلى الله عليه وسلم، هو القائل: «لا يعذب بالنار إلا رب النار»، بل وحتى قتل الناس ظلماً وعدواناً لا نقره ولا نرضاه لقوله تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا».. ويوم أن نصب الإسبان محاكم التفتيش للمسلمين واليهود على حد سواء بعد سقوط الأندلس، لم يجد اليهود ملاذاً آمناً فى جميع أرجاء المعمورة سوى فى دولة خلافة المسلمين فى إسطنبول.
وجرائم «هتلر» فى حق الإنسانية شملت إبادة خُمس سكان بولندا والإجهاز على الغالبية العظمى من «الغجر»، بل وحتى بنى جلدته لم يسلموا من بطشه فقتل من شعبه نفسه من صفوف المعارضة أعداداً طائلة، ناهيك عن ملايين القتلى فى أوروبا وأفريقيا.. إنما نحن ضد التهويل من شأن أعداد ضحايا اليهود الذين قضوا على يد الألمان على حساب ضحايا آخرين.. ضد أن يُبتز العالم بأسره اقتصادياً وسياسياً لمصلحة الكيان الصهيونى والدولة اللقيطة.. ضد أن يغض العالم طرفه عن مذابح صبرا وشاتيلا، قانا، دير ياسين، بحر البقر، جنين، وغيرها، وكأن دماء العرب هدر لا قيمة لها.. ضد أن يتحول رقم الضحايا إلى «تابوه» يحرُمُ الكلام بشأنه أو محاولة استكشاف حقيقته، إلى حد أن وصل الشطط بفرنسا أن تعاقب بالسجن مدةً تصل إلى خمس سنوات كل من يُظهر إنكاراً لمذابح الهولوكوست المزعومة!