انفراد.. الحكومة تطارد «جيش الموظفين» بهيكلة 33 وزارة «سراً» قبل نهاية 2016
انفراد.. الحكومة تطارد «جيش الموظفين» بهيكلة 33 وزارة «سراً» قبل نهاية 2016
إحدى مظاهرات حملة الماجستير والدكتوراه أمام نقابة الصحفيين «صورة أرشيفية»
علمت «الوطن» أن الحكومة خطت أولى خطواتها نحو «فرم» الجهاز الإدارى للدولة الذى يكتظ بـ«جيش من الموظفين» إلى حد التخمة، ويلتهم وحده نحو ثُلث المصروفات بالموازنة العامة للدولة للعام المالى 2015 - 2016 بنحو 218 مليار جنيه، بخلاف أجور الهيئات الاقتصادية. وتسعى الحكومة للوصول بجهازها الإدارى الذى يضم 6.5 مليون موظف حالياً إلى 3.2 مليون موظف، بينما تسارع الحكومة حالياً فى سرية تامة، فى إجراءاتها للانتهاء من المرحلة الأولى لإعادة هيكلة 33 وزارة قبل نوفمبر المقبل، وتنفرد «الوطن» بتفاصيل خطة الحكومة لخفض «جيش الموظفين» بجهازها الإدارى، دون المساس بحقوق العاملين الحاليين، وعبر عدة آليات وإجراءات أهمها تطوير الإدارات الحكومية بالدمج بين المتكرر المتشابه منها، أو بالحذف والإلغاء، وإعادة توزيع العمالة الزائدة وتقسيم المهام، وخفض الوحدات الاستشارية التابعة للسلطة المختصة (الوزير - المحافظة - رئيس مجلس الإدارة) بمقتضى القرار 122 لسنة 2015، ووقف الانتقال الآلى بين مجموعات الوظائف الأربع التخصصية، والكتابية، والفنية، والحرفية والخدمة المعاونة، وكبح جماح التعيينات الجديدة إلا فى حدود الحاجة الفعلية مقابل العمالة الخارجة للمعاش فيما يعرف بـ«التجربة الفرنسية» التى تقضى بإيجاد معادلة رقمية بين أعداد الملتحقين بالجهاز الإدارى مقابل الخارجين منه للمعاش كل عام، مع الاعتماد على المسابقات الداخلية لشغل الوظائف، وفتح باب التسوية للمعاش المبكر للموظفين بدءًا من 50 سنة بامتيازات المحالين للتقاعد عند 60 سنة، بمقتضى قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية.
وقال مسئول حكومى لـ«الوطن»: «يحال للمعاش كل عام نحو 150 ألف موظف، ولدينا بالجهاز الإدارى نحو 750 ألف موظف فى طريقهم للتقاعد بين 55 و60 سنة، ونعمل حالياً على تأهيل القيادات الوسطى ليحلوا محلهم، ولا أعتقد أننا بصدد استبدال خروجهم بإدخال 750 ألفاً آخرين، فلدينا موظف لكل 13 مواطناً، وهدفنا موظف لكل 40 مواطناً»، مشيراً إلى أن الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة يدقق حالياً فى حاجة كل جهة لشغل الوظائف الشاغرة لديها.
وتابع المسئول: «الإعلان عن الوظائف الشاغرة بالحكومة مرتين كل عام، ليس أمراً إلزامياً للحكومة، وإنما الهدف منه تحديد مواعيد قانونية للمسابقات بعيداً عن العشوائية فى التعيين التى كانت سائدة من قبل»، لافتاً إلى أن «التنظيم والإدارة» استقبل حتى الآن طلبات جهات حكومية بحاجتها لشغل 5 آلاف وظيفة فقط. ولم يفصح المسئول عن العدد المستهدف خفضه من الموظفين، إلا أن تصريحات خاصة سابقة للدكتورة غادة موسى، مدير مركز الحوكمة بوزارة التخطيط وعضو اللجنة العليا للإصلاح الإدارى، لـ«الوطن»، قالت فيها إن الجهاز الإدارى بحاجة إلى إعادة هيكلة لا تشمل المساس بحقوق الموظفين الحاليين، كى نصل بعدد الموظفين به إلى 3.2 مليون من إجمالى 6.5 مليون موظف حالياً، وهى تقديرات اقتربت من أخرى مماثلة لقيادات مسئولة بالجهاز المركزى للتنظيم والإدارة.
دمج الإدارات أو إلغاؤها ووقف الانتقال بين مجموعات الوظائف أبرز الآليات.. ومسئول: لن نستبدل المحالين للمعاش بآخرين
البداية الحقيقية فى عهد الإخوان:
- لا يرجع ظهور الحاجة إلى إصلاح الجهاز الإدارى إلى عهد الإخوان، فهى أبعد من ذلك بكثير، ففى العام 1952 بلغ عدد العاملين بالجهاز الإدارى للدولة نحو 8% تقريباً من حجم العمالة، كما بلغ عدد الوزارات الحكومية 15 وزارة، وعقب ثورة يوليو، ونتيجة السياسات الاجتماعية التى اتبعها نظام الثورة، بدأ حجم الجهاز الإدارى فى الاتساع، ما أدى بدوره إلى تزايد حجم العاملين بالجهاز ليصل إلى 2.06 مليون عامل سنة 1978 بنسبة 20% من إجمالى قوة العمل. ولكن حكومات ما بعد ثورة 25 يناير على وجه التحديد أدركت أن استمرار التداعيات السلبية لتفاقم أعداد العاملين بالجهاز الإدارى للدولة، من مشكلات تتعلق بارتفاع الأجور وزيادة عجز الموازنة، أصبح مستحيلاً، ما دعا حكومة هشام قنديل فى ديسمبر 2012، إلى قبول مقترح لوزارة التنمية الإدارية باستحداث شبكة لتطوير الأداء الحكومى تضم ممثلى 31 وزارة وممثلين عن الأجهزة الحكومية المختلفة، لوضع خطة لإعادة هيكلة «جيش الموظفين» الآخذ فى التنامى، وتنمية وبناء قدرات العاملين بالجهاز الإدارى، وتطوير الخدمات الحكومية.
«دراسة الإحلال».. فرصة التخلص من أعباء 2 مليون موظف
- على إيقاع المطالبات التى طغت عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو بتأهيل الشباب، بدأ برنامج التطوير المؤسسى بوزارة التنمية الإدارية بإعداد دراسة تفصيلية سُميت «دراسة الإحلال»، وقدمت تفصيلاً دقيقاً عن أعداد كوادر القيادات والإدارة العليا المحالين إلى التقاعد سنوياً خلال الفترة 2011 - 2022 لكل الوزارات والمحافظات على مستوى الجمهورية، طبقاً لقواعد البيانات المتوفرة لدى مركز معلومات الوزارة والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وتبين بالدراسة أن الجهاز الإدارى للدولة يواجه تحدياً رئيسياً (وربما فرصة ذهبية وفقاً لمصادر مسئولة) وهو بلوغ عدد كبير من شاغلى الوظائف القيادية سن التقاعد خلال الفترة من 2011 إلى 2022، إلى ما يزيد على مليونى موظف عام من إجمالى ما يزيد على 6.5 مليون موظف فى جميع الفئات والدرجات يقودهم نحو 10٫000 قيادة من الإدارة العليا والوسطى، وأن عدداً كبيراً من هذه القيادات سيحال إلى التقاعد خلال العشر سنوات المقبلة، ما دعا الوزارة للإعلان عن برامج لتنمية وبناء قدرات كوادر الصف الثانى لقيادات الإدارات العليا والوسطى، اشترطت من خلالها تدريب من هم دون الـ55 سنة من الموظفين، وبدأت مبادرتها بإعداد الكوادر الوسطى بوزارات «الصحة» و«النقل» و«الموارد المائية والرى» و«المالية» و«التجارة والصناعة» و«التخطيط»، بتكلفة قدرت بـ230 ألف جنيه، ليقوم فريق العمل بوحدة تنمية وبناء القدرات ببرنامج التطوير المؤسسى بعدها بإرسال خطابات للوزراء المعنيين لطلب تحديد نقاط اتصال لتنسيق اجتماعات ثنائية لشرح منهجية دراسة الإحلال، وعقد مقابلات شخصية للمرشحين لحضور البرنامج بعد الاختيار والانتقاء من بينهم. ووفقاً لمصادر بوزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، فإن أى إعلان مُرتقب لإعلان حاجتها لشغل عدد من الوظائف سيكون «محدوداً»، بينما ستركز وستتوسع أكثر فى طرح تلك الوظائف التى تحتاج إلى شغلها بمسابقات داخل كل وحدة إدارية، بالتزامن مع بدء تفعيل القرار الوزارى رقم 122 لسنة 2015 بشأن معايير وآليات التطوير التنظيمى لوحدات الجهاز الإدارى للدولة، والذى يقضى بإعادة هيكلة وحدات الجهاز الإدارى، بخفض الوحدات الاستشارية التابعة للسلطة المختصة (الوزير - المحافظة - رئيس مجلس الإدارة)، ودمج المتكرر المتشابه من الإدارات من خلال الدمج أو الحذف أو الإلغاء.
«خطة الإصلاح الإدارى وقانون الخدمة المدنية».. تقنين إجراءات الهيكلة
- فى سرية تامة، أعدت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، خطة للإصلاح الإدارى للدولة، وأفصحت عنها وأتاحتها للإعلام والرأى العام بعد إقرارها من مجلس الوزراء فى أغسطس 2014، وتضمنت الخطة تفصيلاً هيكلياً لوحدات وهيئات الجهاز الإدارى وتعدادها وعدد العاملين بها وفقاً لدرجاتهم الوظيفية، فضمت 34 وزارة و234 هيئة اقتصادية وخدمية ومستقلة، و23 مصلحة حكومية و27 محافظة ومديرية خدمية، وأبرزت تحدياتها فى تعقد الهيكل التنظيمى للدولة وتضخم العمالة وارتفاع تكلفتها وانخفاض إنتاجيتها، ومن ثم وضعت 3 سيناريوهات كالتالى: إبقاء الوضع على ما هو عليه، وهو ما أكدت أنه غير مقبول اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، أو الاستمرار فى تقديم حلول جزئية، وهو سيناريو اعتبرته الخطة «مكلفاً» على المديين المتوسط والطويل، أو كما فى السيناريو الثالث الذى قدمته الخطة باعتباره الحل الأمثل، والذى يتمثل فى تقديم رؤية كلية للإصلاح.
وفى مجمل مبادئ الخطة الحاكمة، تأتى المصارحة بمراحل وخطوات الإصلاح واستمراريته مع الحفاظ على حقوق العاملين الحاليين واعتماد الكفاءة فى التوظف والترقى والأجور، وضمت أبرز محاورها «إصلاح الهيكل التنظيمى للدولة»، و«الإصلاح المؤسسى لوحدات الجهاز الإدارى»، و«إصلاح هيكل الأجور وإعادة النظر فى الدرجات الوظيفية»، وأفضت الخطة التى تشهد استدامة فى تطبيقها حالياً إلى عدد من الإجراءات أبرزها اقتراح مشروع قانون للخدمة المدنية، وهو القانون رقم 18 لسنة 2015، كبديل للقانون 74 لسنة 1978، وإقرار منظومة جديدة لأجور العاملين بالقطاع الحكومى، وبناء قاعدة بيانات بالمؤسسات والأجهزة الحكومية والعاملين بها، وإصلاح الإدارات الحكومية بتطويرها أو دمجها أو تعديلها أو حتى بحذفها.
«قانون الخدمة المدنية».. لا تعيين للأوائل وحملة الماجستير وفتح باب الخروج المبكر للمعاش
- أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى، قانون الخدمة المدنية فى 12 مارس 2015، فى 72 مادة، وضم القانون المثير للجدل، والذى تسبب فى تظاهر نحو 4 آلاف موظف رفضاً له، عدة إجراءات من شأنها وقف التعيين العشوائى بالحكومة، وقصر التعيين على الباب الأول للأجور دون تعاقدات أو على صناديق كما كان سائداً، وعبر مسابقتين مركزيتين، فى الأول من يناير ويوليو من كل عام، حال اضطرتها الحاجة إلى ذلك، بموجب المادة 13، والتى أغلقت الباب الخلفى أمام دخول الطامحين من الأوائل وحملة الماجستير والدكتوراه لاغتنام وظائف الحكومة دون التقدم للمسابقات، قبل أن يوقف العمل بذلك القانون الخدمة المدنية الحالى، ويصف الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط، فى لقاء تليفزيونى، هذا القرار بـ«البدعة».
«التخطيط»: نحتاج 3.2 مليون موظف فقط.. ومصادر: إصلاحات الدعم فى 2014 بالتوازى مع خفض تكلفة أجور الموظفين
وحد القانون الحالى من الزيادة السنوية فى الأجور كما كانت من قبل، من خلال عدة إجراءات أبرزها إعادة هيكلة منظومة الأجور على بندين فقط، هما الأساسى والمكمل وجعله الحوافز أجراً مكملاً، وإلغاؤه إمكانية ترحيل رصيد الإجازات الاعتيادية للموظف حتى بلوغ سن التقاعد، بما يُمكّنه من الحصول على المقابل النقدى لتلك الإجازات، وفقاً لقانون 47 لسنة 1978 الذى كان سائداً قبل «الخدمة المدنية»، وقصر التعيين بمسابقتين مركزيتين دون تعاقدات.
«التجربة الفرنسية».. دخول موظف مقابل خروج 5
- كشف الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، فى تصريحات خاصة سابقة لـ«الوطن»، أن وزارتى المالية والتخطيط تعملان بالتنسيق مع الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، على خطة لإعادة هيكلة الجهاز الإدارى للدولة، يبدأ العمل بها العام المالى الحالى، وقال إن الخطة تستهدف إيجاد وتطبيق معادلة نسبية رابطة بين أعداد الملتحقين الجدد بالجهاز الإدارى والمحالين للتقاعد، كأن يتم دخول موظف جديد للعمل بالحكومة مقابل إنهاء خدمة 10 آخرين، بالتزامن مع فتح باب المعاش المبكر وفقاً لقانون الخدمة المدنية للبالغين 50 عاماً واحتفاظهم بامتيازات البالغين 60 عاماً لتشجيعهم على التقاعد، بما يضمن فى النهاية ليس فقط الحد من الزيادة السنوية فى أعداد العاملين بوظائف الحكومة، بل وخفض الـ6.5 مليون موظف الحاليين، بدعوى أن الجهاز الإدارى للدولة «مكتظ ومترهل إلى حد التخمة»، وأنه يضم موظفاً لكل 13 مواطناً، فى ضوء أن النسبة العالمية المُثلى هى موظف لكل 40 مواطناً.
تصريحات «العربى» رددتها فوزية حنفى، القائم بأعمال الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، فقالت لـ«الوطن»، إن البيانات التحديثية الجديدة الواردة للجهاز تشير إلى أن أعداداً كبيرة مؤهلة للخروج للمعاش حالياً، وأن الحكومة ترى أن خروج 10 موظفين للمعاش مقابل دخول واحد قد يحل الأزمة تدريجياً، اقتداءً بالتجربة الفرنسية التى يدخل بموجبها الموظف للجهاز الإدارى مقابل خروج 5 آخرين للمعاش، مؤكدةً أن الحكومة لم تستقر بعد على تحديد العدد. وهو ما أكده أيضاً الدكتور طارق الحصرى، مستشار وزير التخطيط للتطوير المؤسسى، إذ قال لـ«الوطن»: «نتبع إصلاحاً هادئاً، ونستهدف أن يكون لدينا موظف لكل 40 مواطناً بحلول 2030 بدلاً من موظف لكل 13 مواطناً حالياً، ولدينا نحو 750 ألف موظف تتراوح أعمارهم بين 50 و60 عاماً، وهناك ما يقرب من 150 ألف موظف يبلغون سن التقاعد سنوياً».
مصادر فى وزارة التخطيط كشفت لـ«الوطن» أن الحكومة بصدد التخلص تدريجياً من العمالة الزائدة بجهازها الإدارى، من خلال الحد من الإعلان عن الوظائف إلا فى حدود الحاجة الفعلية لها وفى أضيق الحدود، مع إعطاء الأولوية للمسابقات الداخلية، وقالت إن مسابقة وظائف يناير التى كان من المقرر الإعلان عنها الشهر الحالى، ستكون محدودة للغاية.
«هيكلة الوزارات والهيئات ودواوين المحافظات»
قال الدكتور طارق الحصرى، مستشار وزير التخطيط للتطوير المؤسسى، إن الوزارة أنهت هيكلة 6 وزارات حتى الآن، بالإضافة إلى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ضمن المرحلة الأولى للهيكلة المقرر انتهاؤها بهيكلة 33 وزارة بالإضافة إلى الهيئات والمحافظات، عقب مرور عام من تاريخ صدور وتفعيل اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015.
شاب يرفع لافتة للمطالبة بالتعيين فى الحكومة «صورة أرشيفية»