كل هذا الهرج والمرج الذى حدث ولا يزال يحدث، بسبب الدستور الذى تقرر أن يتم الاستفتاء عليه السبت القادم ١٥ ديسمبر.. لكن ماذا نقول؟ كان من الممكن أن نحفظ الدماء التى سالت والأرواح التى فاضت إلى بارئها، ونوفر الوقت والجهد والمال لو أنّا بدأنا بجمعية تأسيسية تعبر عن توافق وطنى عقب تنحية مبارك مباشرة.. كان ذلك سهلاً وميسوراً، حيث بدا الشعب المصرى -أو بمعنى أدق، الذين قاموا بالثورة- على درجة عالية من التوحد والإيثار والبذل والعطاء والشهامة والمروءة.. ومن قبل ذلك وبعده العمل من أجل الوطن، لا من أجل مصالح حزبية ضيقة.. لكن ها نحن الآن نجنى ثمرة أنانيتنا المريضة وانتهازيتنا البغيضة.. ها نحن الآن نحصد نتائج أخطائنا الفادحة وعثراتنا المُرّة التى أوقعنا أنفسنا فيها وانزلقنا إليها بمحض إرادتنا.. فهل تعلمنا؟ أظن لا..
الأحداث تتلاحق بسرعة، وكل يوم، بل كل ساعة ونحن فى حال.. نبدو كسفينة مضطربة فى عرض البحر تتقاذفها الرياح.. فقدنا بوصلتنا.. نصارع الأمواج المتلاطمة حولنا.. توشك السفينة أن تتحطم.. ندور حول أنفسنا.. نتصور أننا ماضون إلى بر الأمان.. المشكلة أن طاقم السفينة فقدَ الرؤية.. غير مدرك لشدة الأزمة وخطورة اللحظة.. يتصرف بغير حكمة ولا روية.. والركاب فى حيرة لا يدرون ماذا يفعلون..
الدكتور مرسى ينتقل من خطأ إلى خطأ أكبر منه.. أضاع كثيراً من الفرص التى لاحت أمامه.. لا أدرى لماذا؟.. هل لنقص الخبرة والتجربة وعدم الدراية؟ هل لثقل التبعة والمسئولية؟ هل لصعوبة التحديات التى يواجهها، داخلياً وخارجياً؟ هل هناك من ينازعه قيادة السفينة؟ هل لضعف المستشارين حوله؟ لقد كان الإعلان الدستورى الذى أصدره يوم الأربعاء ٢١ نوفمبر بداية المأساة.. والحديث عن وجود مؤامرة دفعت لإصدار هذا الإعلان لا يستند إلى دليل.. الذى اتضح أن الإعلان لم يُستشر أولو النهى فيه.. حتى نائب الرئيس ومستشاريه.. وهذه هى الكارثة.. وبغض النظر عن مدى أحقيته من عدمها فى إصدار إعلانات دستورية، فإن قاعدة الشورى والاستشارة ليست مستوفاة لديه.. ولا ندرى كيف يُؤخذ القرار!! لقد استقال بعض مستشاريه.. وهذا وحده له دلالاته الخطيرة، وهو أن الأمور لا تمضى على النحو الصحيح.
إلغاء الإعلان الدستورى والإبقاء على آثاره المترتبة عليه أمر مضحك، بل يثير الحزن والأسى، كأننا نبيع الهواء، على حد قول أحد أساتذة القانون الدستورى.. ومع ذلك هناك مساران: إما أن نقبل بأنصاف الحلول، أملا فى إطفاء الحريق المشتعل كخطوة أولى، وإما أن تمضى المعارضة فى التصعيد نحو سحب الإعلان كاملاً وتجميد قرار الاستفتاء، ثم إجراء حوار.. هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القليلة القادمة.
مشروع الدستور الذى سيتم الاستفتاء عليه -الله أعلم- به عيوب كثيرة.. سواء ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، أو صلاحيات رئيس الدولة غير المحدودة، أو الإصرار على بقاء مجلس الشورى، رغم أن الشعب المصرى أعلن رفضه له فى الانتخابات الماضية، أو الإبقاء على نسبة الـ٥٠٪ عمال وفلاحين لدورة برلمانية واحدة (!)، أو الميزانية الخاصة بالقوات المسلحة، أو المحكمة الدستورية العليا.. كل ذلك يجعلنا نقول لهذا الدستور: «لا».