أعتقد أن السبت الماضى أحدث تحولاً كبيراً فى المشهد السياسى المصرى، وإذا ما كنا نريد حلولاً واقعية لكثير من أزماتنا المتتالية فلا بد دائماً أن نسلط أضواءنا على (المنتج النهائى) بدلاً من جدلٍ لن ينتهى عن من حضر ومن لم يحضر؛ لأنها بظنى ستدين جبهة المعارضة أول من تُدين، فمن غير المعقول أن يُرفض الحوار ابتداءً ثم نتحدث بعد ذلك عن أن الرئيس كان يحاور نفسه!
ومن أهم ميزات المنتج النهائى أن مؤسسة الرئاسة استفادت جداً من توسيع دائرة الاستشارة والاستعانة بالخبرات القانونية المختلفة من خارج الإطار التقليدى الذى أحاطت به نفسها طيلة الفترة الماضية، ويزيد على ذلك المرونة الواضحة فى النزول على رأى هذه الهيئة الاستشارية الموسعة.. وهذا أمر نلفت الأنظار إلى حتمية استمراره فى الفترة المقبلة.
وميزة أخرى استفدناها، أن الكرة الآن ملقاةٌ فى ملعب الشعب، فلا هى المعارضة ولا هو الحزب الحاكم من سيحدد مصير البلاد، وإنما الاحتكام إلى الصندوق للمرة الرابعة على التوالى من بعد الثورة، فالشعب الآن هو من سيقرر بالانتخاب الحر المباشر كيفية إنهاء الأزمة؛ بعد أن وضح له خارطة الطريق لكلا المسارين (نعم ولا) وهو ما كنا نفتقده حقيقةً قبل حوار يوم السبت بالقدر الكافى من الوضوح.
ولا يعتقدن أحدٌ أن هذا تعنت وتغليب لرأىٍ بعينه على آراءٍ أخرى، نعم كلمة التوافق محببة إلى النفس تعبيراً عن الرغبة فى الوصول إلى حلولٍ ترضى الجميع، لكنها لن تلغى فكرة وجود الاختلاف هى فقط تنظم التعامل مع هذا الاختلاف، هل التوافق يعنى ضرورة أن أقتنع برأيك؟ لماذا ابتكرت البشرية إذن آلية التصويت؟
وما كنت أظن أن يأتى علينا يوم نشرح فيه معنى تصويت الأغلبية.. لكننا مضطرون لأن بعض أصدقائنا يوهم الشعب المصرى بأن ما يجرى لا نظير له فى العالم! والحقيقة أن الدساتير حولنا توضع إما بطريق جمعية تأسيسية (تُقر) الدستور مباشرة بشرط موافقة ثلثى أعضائها أو أن توافق عليه بالأغلبية البسيطة (٥٠+١) ثم يعرض فى استفتاءٍ على الشعب، أما المزج بين الطريقتين فأمر غير مفهوم!
وقد نلاحظ أيضاً من نتائج حوار السبت حدوث قدر من خلخلة مواقف المعارضة ظهر أثره جلياً فى الانقسام الحاد الذى شهده اجتماع جبهة الإنقاذ الوطنى لتحديد موقفها من نتائج الحوار، ما بين من يؤيد المضى قدماً فى استمرار فرض رؤيته الخاصة التى تتحدى شرعيةً قائمةً فى البلاد، وبين من اقتنع بأن جزءاً كبيراً من المشكلة قد تلاشى ومن ثم يحاول تضييق الهوة.. لكننى من بين كل ما قيل فى اجتماع جبهة الإنقاذ، توقفت كثيراً أمام كلمات د.أسامة الغزالى حرب حينما عبر بشجاعةٍ وصدق يُحسد عليهما أن المسألة لا تتعلق بإعلانٍ دستورىٍ أو حتى بدستور، وإنما: (هذه ثورة للإطاحة بحكم حزب الحرية والعدالة كما أطاحت الثورة الأولى بحكم الحزب الوطنى)!.. إذن الأمر لا علاقة له بمعارضةٍ سياسية رشيدةٍ قدر ما هو متعلق بمعركة وجود وإقصاء!
وهذا بعينه هو أخشى ما أخشاه.. أن يتحول الاختلاف مهما كان عميقاً إلى افتراق، وأن تتحول المنافسة السياسية إلى منطق من ليس معنا فهو علينا! لذلك أشرت من قبل مراراً إلى ضرورة تثبيت قواعد اللعبة بين كل المتبارين على الساحة السياسية، فإذا كنا نتحدث عن إطار ديمقراطى ارتضى الجميع السير فى ركابه بدايةً من انتخابات البرلمان بغرفتيه وانتهاءً بالانتخابات الرئاسية، فعلينا أن نعلم أن لهذا الإطار ضوابط تحكم الجميع ومعايير يتحاكم إليها كل فريق، ضوابط ستجرم بالتأكيد محاصرة قصر الرئاسة، كما ستجرم محاصرة المحكمة الدستورية، ضوابط لن تسمح بحرق مقرات الأحزاب ولن تعطى لآحاد المواطنين سلطة احتجاز مواطنين آخرين بل والتحقيق معهم وربما إصدار الأحكام أيضاً!