يااااه يا عم أمين. أخيراً، وبعد سنوات وسنوات فى الكويت ستشاهد المباراة من الاستاد، والله زمان يا حاج. يقولها أحدهم فيبتسم الرجل، بينما كانت لدى يوسف جمال مشكلة صغيرة تتعلق بتقفيل حسابات السايبر الذى يعمل فيه، والذى خصم منه 20 جنيهاً، لكن لا بأس، سيعوضها بذهابه لأول ماتش بجمهور، وسيرفع الصور على الفيس، مثلما سيرفع محمود سمير صورته مع خطيبته التى ينوى التقدم لخطبتها (بعد الماتش)، لكن هالة الحبيشى كانت سعيدة لأسباب أخرى، فهذه هى المرة الأولى التى ستدخل فيها (الاستاد) لتشاهد (مباراة) وترى (اللعيبة) من المدرجات، وهى ابنة الأربعة عشر عاماً ستحكى حتماً لصديقاتها فى طنطا عن (باسم مرسى) وعن (الزمالك) و(اللعيبة) الذين ستراهم عن قرب، فى حين قرر عبدالرحمن الشاذلى أن يتخلى عن أهلاويته اليوم لصالح (مزاجه) فى الكورة، حيث يرى أن «الزمالك السنة دى حلو»، وأنهم «بيلعبوا كورة» لم يلعبوها منذ زمن، أما عصام عبدالقادر الطالب فى المعهد الفنى لخبراء الأشعة فقد كان سعيداً حتماً وأحد أصدقائه يسأله: «انت رايح فين يا دكتور»، حيث يحب لقب دكتور رغم أنه لم يدخل كلية الطب، وقد تكون أحد أحلامه أن يجرى الأشعة بنفسه للاعبين، ويلتقط معهم «سيلفى»، صحيح لن يكون مثل السيلفى الذى التقطه أصدقاء محمود نبيل، طالب جامعة المستقبل، الذى تركهم يلتقطون السيلفى وراح يتطلع للقفص الحديدى الغريب الذى يمرون من خلاله، لكن من قال إن (حودة) جاء للسيلفى. «محمود» جاء لمشاهدة مباراة تعود فيها الجماهير، مثله مثل شريف الفقى الطالب فى تالتة إعلام الأزهر، والذى كان يتمنى أن يكون مراسلاً ينقل الأجواء من داخل المباراة، ويقول فى بداية تقريره ما كتبه على صفحته على الفيس بوك فى الليلة السابقة: «إحنا الصوت لما تحبوا الدنيا سكوت»، مؤكداً عبر عدة هاشتاجات أن (#الكورة_للجماهير) وأن (#التالتة_يمين) هم أكثر من يرون أن (#الزمالك_أسلوب_حياة)، وهو نفس ما أكده أحمد مدحت طالب الهندسة بمعهد العاشر الذى كتب على صفحته فى فيس بوك: «رؤية الزمالك سر من أسرار سعادتى»، وهو نفس ما يراه عبدالرحمن عماد طالب التجارة الذى يعشق الكيان ويشجع مع وايت نايتس هو ومحمد سعيد الشهير بكوبرا، وينظر لهم وليد محمد عبدالعال صاحب الخمسة عشر عاماً بإعجاب وهو يتساءل كيف سيهتف معهم وهو لا يحفظ ما يقولونه، لكنه ابتسم ونظر فى التذكرة بين يديه فرحاً سعيداً، مثلما نظر إليها وصورها إسلام عماد، ليضعها على «إنستجرام» بمجرد أن نجح فى شرائها. أما محمد سعيد رزة فقد كان يريد أن يجرى بسرعة (بعد الماتش) ليعود إلى عائلته التى يعد هو عائلها الوحيد، ولا يزال (حمادة) يفتخر بصورته التى التقطها حاملاً ورقة كتب عليها (الصلاة أولاً)، مثلما يفتخر محمد أحمد شوقى بموهبته فى تقليد المعلقين، ويضحك بشدة بعد أن يقلدهم، صحيح ليس مثل ضحك إبراهيم محمد عزام الذى يضحك مع أصدقائه الذين يسخرون من (سمنته) و(تُخنه) لكن كليهما يملك قلباً طيباً، وأحلاماً غالية، وعشقاً لا ينتهى للكيان، لا يختلفان عن أركان سيد عبدالباسط الذى يحب صور السيلفى بشدة. مصطفى عبدالله أيضاً كان وحيد والديه وجاء لمشاهدة المباراة، وعبدالرحمن على توفيق كذلك رغم أن هذا الأخير لم يستجب لمحاولة أحد أقربائه بإثنائه عن الذهاب للماتش. أما محمد صلاح فقد كان سعيداً بعودة الجماهير، وكان فخوراً بنفسه إذ كان، وهو الطالب بالجامعة الألمانية، أحد منظمى احتفالية تأبين شهيد الأهلى كريم خزام.
استعد الجميع.. تقدموا.. مشوا فى الممر.. لاحظوا (الهرجلة) و(الإهمال).. هتفوا للفريق، ثم فجأة حدث كل شىء.
جرى وتدافع. صراخ. «حااااااسب». «ماتعيطش يا حبيبى». «حرام عليكم بنموووووت». ينطلق الغاز ليدفعهم للعودة فيزداد الموقف تأزماً. يحاول محمود سمير إنقاذ سيدة تجلس على كرسى متحرك. ينظر عم أمين فى ذعر حوله بحثاً عن أبنائه محاولاً الاطمئنان عليهم، يحاول (كوبرا) إنقاذ طفل تاه من أهله، يسأل عبدالرحمن شاذلى نفسه لماذا لم يسافر لأخته فى أمريكا ليعيش معها بدلاً من هذا الإهمال.. «هنمووووووت». يمسك «يوسف» بورقة الحساب، يخاف «إبراهيم» من الجرى حتى لا يدوس على أحد بجسمه الضخم فيتسبب فى إيذائه لكنه يسقط، مثلما سقط الجميع.
يموت العشرون شاباً الذين قرأت أسماؤهم فى السطور السابقة. يقول تقرير المستشفى أن أركان مات بسبب التدافع وليس بسبب الغاز. بينما يقول والد أحمد مدحت وهو يقف أمام المشرحة إن ابنه مات بسبب الخرطوش، يرى محمد صلاح وجه كريم خزام يلوح له مبتسماً ويقول له: ماتيجى يا عم، ويعرف أنه سيذهب. ينجو الجميع عدا العشرين.
ملحوظة: (استعنت بالتقرير المميز للزميل محمد يحيى محمد فى موقع التحرير الإخبارى لكتابة المعلومات السابقة).