يدخل كابينة التعليق الخاصة به حاملا عشرات الأوراق التي يستخدمها طوال المباراة، ينطلق صوته الحنون محملا بتعبيرات رشيقة تبهج القلوب طوال 90 دقيقة من الزمن، يبعث برسائل متفائلة تمني الجماهير بالخروج مثلجي الصدور عقب انتهاء المباراة، ولا ينسى تحليل كل كبيرة وصغيرة تخص تفكير المدربين فيجيب عن أسئلة كل مشاهديه قبل خروجهها من أفواههم، ليصبح "محمود بكر"، بعد كل ذلك، هو الخيار الأول الذي كان عشاق كرة القدم يلجأون إليه كلما نشدت قلوبهم تفاؤلا أو ضحكة صافية أو فهم كامل لمجريات ما يتابعونه.
حكاية الحب المتبادل بين المعلق الرياضي الراحل محمود بكر بجمهور كرة القدم بدأت مع اللحظات الأولى لظهور المنتخب المصري في أكبر محفل عالمي كروي عام 1990، فبينما يتوقع الجميع انهيار الفراعنة أمام الطاحونة الهولاندية، يصدح صوت "شيخ المعلقين" متفائلا مبشرا بقرب حلول الفرج من الله، وما إن تحل الدقيقة الثانية والثمانين من اللقاء حتى تنطلق صيحات ملايين المصريين عقب سماعهم لصوت "بكر" يصرخ: "ضربة جزاء"، ليعيش معه المصريون لحظات قاسية من الترقب لم ينهها غير صوت قلبه الذي نبض: "جول.. كلل الله مجهودات المصريين.. عدالة السماء تهبط على ستاد باليرمو".
الزمن يمر.. وأجيال تسلّم الراية لمن يأتي بعدها، ويظل صوت المعلق الرياضي محمود بكر "فأل خير" يستبشر به المصريون كلما اضطربت دقات قلبهم، فمن ينسى تعليقه، عبر الإذاعة المصرية، على أهداف "ميدو" و"أبوتريكة" و"أحمد حسن" في مباراة "مصر وليبيا" مرمى المنتخب الليبي في افتتاح كأس الأمم الأفريقية عام 2006، ثم صوته، عبر التليفزيون المصري، الذي بشر المصريين بـ3 أهداف في مرمى "كوت ديفوار" في نفس البطولة، قبل أن تعود الإذاعة لتستعين به ليشهد صوته على 4 أهداف مصرية في مرمى "الكونغو الديمقراطية"، ثم يوقّع صوته على شهادة وصول المنتخب المصري للمباراة النهائية بعد هدفين في مرمى السنغال.
حينما يدب الخوف في قلوب المصريين، وترى أعينهم أسماءً برازيلية من قبيل "داني ألفيش" و"أدريانو" و"نيمار" ينزلون أرض الملعب ليواجهوا "الفراعنة" في كأس العالم للقرات عام 2009، يصدح صوت "محمود بكر"، عبر قناة النيل للرياضة، حاملا الفرحة للمصريين، فما أن بدأ تعليقه على الشوط الثاني حتى هلل لإحراز "محمد شوقي" و"محمد زيدان" في مرمى "راقصي السامبا"، ليتعالى صوته: "اللي كان متضايق وخرج يشرب سيجارة في البلاكونة.. باقوله يدخل.. مصر جابت جولين في البرازيل".
جيل "الساجدين" غادروا أماكنهم داخل المستطيل الأخضر، وتكشف الأيام عن جيل جديد كان صوت "شيخ المعلقين" أول من شهد على إبداعه، فالجماهير تكاد تشطاط غضبا بعد خسارة المنتخب المصري بهدف أمام "تشاد" في ذهاب التصفيات المؤهلة لكأس العالم، قبل أن يأتيهم صوت "محمود بكر" حاملا لهم 4 أهداف مصرية في مرمى الفريق التشادي، لتكون بداية مشوار "النني" و"صلاح" و"عبد الله" إلى "روسيا 2018" هي آخر مباراة في حياة "فاكهة التعليق الرياضي" قبل أن تسلم روحه إلى بارئها.
"3 فبراير 2017".. بينما ينتظر المصريون مباراة منتخبهم أمام "الكاميرون" في نهائي كأس الأمم الأفريقية بالجابون، تحل الذكرى الأولى لرحيل المعلق الرياضي "محمود بكر"، ليتمنى كل المصريون أن يحصد "الفراعنة" الكأس الأفريقية المقامة بالجابون، فتتعالى كل أصوات الجماهير: "عدالة السماء سقطت على ملعب ليبرافيل".
تعليقات الفيسبوك