يجتمعون عليها، لتبادل الضحكات والحكايات عن العمل والغربة، ويتشاركون أيضاً المآسى، بلهجات صعيدية مختلفة، هى فقط ما حملوه معهم من مجتمعاتهم، التى رحلوا عنها، بحثاً عن لقمة العيش.
مقاهى الصعايدة تنتشر فى مناطق مختلفة بالقاهرة، وعليها يجلس المنياوى مع السوهاجى والأسيوطى وغيرهم، يتحدثون، وأمامهم أكواب الشاى وأحجار المعسل المتراصة على الشيشة، وفى أغلب الأحيان يكون صاحب المقهى من الصعيد، واسم المقهى مرتبطاً بمحافظاتهم. على مقهى فى «إمبابة» تنتشر صور لأبناء كبار العائلات الصعيدية بصحبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فضلاً عن لافتة قديمة معلقة، مكتوب عليها «أبناء الهلة لمركزى طهطا وطما». يعلق «أحمد الهلة» على صورة معلقة: «زعيم الأمة عبدالناصر بيسلم على فهمى دياب، اللى بنعتبره وزير الهلة، يومها كان اجتماع للريس فى روض الفرج مع مسئول روسى جاى يزور مصر، والصعايدة استقبلوه بالمزمار البلدى».
لا يضم المقهى أبناء سوهاج فقط، بل صعايدة من محافظات مختلفة: «اتجمعنا على حب الصعيد، وعبدالناصر، أنا عن نفسى باحبه أكتر من أبويا وأمى»، حسب «أحمد». فى المنطقة نفسها يوجد مقهى آخر باسم «أبناء سوهاج»، يبدو كأنه بقعة فى الصعيد، بفضل ديكوراته، ملابس الجالسين به ولهجاتهم، بما فى ذلك الشاى «الحبر» وأحجار المعسل.
يجتمعون على الشاى "الحبر" وأحجار المعسل.. والحديث باللهجة الصعيدية
العاملون فى المقهى صعايدة أيضاً، ومنهم عطية فرج، الذى يقدم الطلبات للزبائن، فطنته تسمح له بمعرفة محافظة كل زبون من لهجته: «باعرف كل واحد من كلامه، وباعرف منه كمان أخبار الحبايب».
اعتاد أيمن جمال، ترزى، شاب من سوهاج، الجلوس داخل مقهى «أبناء سوهاج»، حيث وجد هناك الصحبة والونس: «كل صعيدى بيحلم يرجع قريته تانى، بس شغلنا هنا، أصل الصعيد مافيهوش شغل».
فى منطقة الطوابق فيصل، يوجد مقهى دون اسم، يقصده الصعايدة فقط، فى البداية كانوا يلتفون حول صاحبه الراحل الحاج أحمد دياب من سوهاج، صاحب الجسد القوى والهيئة البسيطة والقلب المحب للمجتمع الصعيدى وناسه.
العمدة محمود السيد، شاب على مشارف الـ30، من مركز طهطا بسوهاج، جاء إلى فيصل وهو فى العاشرة من عمره، للعمل فى المعمار، اختار المقهى لشعوره بالعزوة والحب لمن حوله هناك: «باحس إنى فى سوهاج». يقصد السمسار كمال أبوفؤاد المقهى نفسه، منذ أكثر من 30 عاماً: «بعد ما رجعت من السعودية، اخترت القهوة دى، وبقت بيتى التانى». فى «صفط اللبن» توجد لافتة بالحجم الكبير مكتوب عليها «كوفى شوب الصعايدة»، أغلب الجالسين بالداخل أصحاب مقاهٍ فى القاهرة والجيزة، يجتمعون مع بعضهم فى أحد المقاهى بالتناوب: «بنتكلم عن البيع والشرا، الوكل والشرب ومسئولياتنا وأهالينا فى الصعيد»، يقولها الحاج أنور حمدى، الذى يملك أيضاً مقهى خاصاً بالصعايدة فى محافظة الجيزة.
الأكثر تردداً على «كوفى شوب الصعايدة» من أسيوط، ثم السوهاجية والقليل من القناوية، ويقول «حمدى»: إحنا عزوة وقرايب ونسايب واولاد عم، أكل عيشنا هنا، لكن قلوبنا فى الصعيد».
تعليقات الفيسبوك