لحظات وأيام في مواجهة الموت والرعب يعيشها رجال جيش مصر الأبيض في مواجهة الحرب ضد تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي أصبح مصدر رعب لدول العالم بأكملها، ولا سيما للمصريين أيضًا بعد سقوط آلاف المصابين في طريقه، فيحاول أطباء وممرضو مصر جاهدين على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من كارثة هذه الجائحة البشرية، وهو ما تسبب في غياب "شريف" أحد أطباء مستشفيات العزل بمحافظة المنوفية عن منزل أسرته لأكثر من شهرين.
"أنا بتنقل بين مستشفيات العزل في المنوفية مش ثابت في مستشفى واحدة".. كلمات بدأ بها الطبيب شريف الجندي حديثه مع "الوطن"، حيث يعيش لحظات صعبة يعجز عن وصفها بما يراه ويمر به خلال استقباله لحالات الإصابة.
يمر الطبيب الشاب بشكل يومي على الحالات المصابة داخل مستشفى العزل التي يتواجد بها، ومن ثم متابعة نتائج تحاليلها أول بأول، متجهًا بعد ذلك لاستقبال الحالات المشتبه بها داخل قسم الطوارىْ.
"شريف" هو أحد الأطباء المسؤولين عن غرفة الرعاية المركزة، والتي يمكث مستيقظًا بداخلها في بعض الأحيان على مدار 24 ساعة متواصلة، "لازم أتابع الحالات لأنها بتكون حرجة وبتكون موضوعة على أجهزة التنفس الصناعي".
إلى جانب خطر انتقال عدوى كورونا إلى الطبيب الشاب من المرضى الذين يتعامل معهم، فإنه يواجه خطرًا أكبر خلال قيامه بمهمته الطبية داخل غرفة الرعاية، "عشان أنا طبيب رعاية في أوقات كتيرة بركب أنبوبة حنجرية للمريض، وبكون قريب من نفسه جدًا لدرجة إن عيني بتكون داخل فمه علشان أقدر أشوف موضع القصبة الهوائية".. حسب قول "شريف".
ومن خوفه من خطر الإصابة إلى المواقف المؤلمة التي بات يعيشها الطبيب الشاب ولن ينساها طيلة حياته، حيث تم حفرها داخل ذاكرته متلونة بالحزن الشديد، وذلك بسبب ما يواجه مرضى كورونا وأسرهم خاصة بعد التأكد من إيجابية تحاليلهم الطبية، فيقول شريف: "جاتلي أم بتسأل على نتيجة تحليل ابنها وأن ببلغها إن نتيجة تحليلها هي طلعت إيجابية، بس مهتمتش بخبر إصابتها كان كل همها إنها تطمن على تحاليل ابنها، وتقولي مش مهم أنا المهم ابني، أنا كده كده هموت".
موقف آخر كادت دموع شريف أن تنهمر خلاله، لن يتمكن من إخراجه من ذاكرته، عندما رأى الطبيب الشاب إحدى الأمهات وهي تلقي بنفسها أمام سيارة الإسعاف رغبة منها في عدم ترك طفلها المصاب بكورونا في الاحتجاز داخل الحجر الصحي وحده، "الست رمت نفسها قدام عربية الإسعاف قدامي وهي منهارة، واتصلت بحقوق الإنسان علشان تتحجز مع ابنها مع إن نتيجتها سلبية وابنها إيجابي".
"استسلم وقعد على الأرض بعد ما عرف إنه نقل العدوى لوالده، وده بسبب طبيعة شغله كمسعف".. هذا الموقف من المواقف التي أثرت في نفسية الطبيب الشاب شكل كبير، حتى كاد يعجز عن وصف شعوره في هذه اللحظة المؤلمة.
أكثر من 60 يومًا متواصلين يعيشهم الطبيب الشاب خارج منزل عائلته، خوفًا منه على نقله لوالده ووالدته أصحاب الأمراض المزمنة عدوى الفيروس بأي شكل غير مقصود أو خاطىْ، فيقول "شريف": "لحد دلوقتي أنا بعيد عن أهلي وواخد شقة لوحدي بعيد عنهم عشان مش حابب أؤذيهم".
تعليقات الفيسبوك