للفساد وجوه كثيرة من «حلاوة الغلابة» إلى عمولة «الحيتان الكبيرة»: «سبابيب» بأوراق رسمية
تكدس المواطنين أمام الموظفين بأحد مكاتب البريد
«شوفلنا الحلاوة»، عبارة قديمة يؤرخ بها على بداية عصر «الفساد الحكومى»، تطورت الحلاوة إلى «إكرامية»، والإكرامية إلى «محسوبية»، والمحسوبية إلى «عمولة»، واتسعت شبكة الاتجار بحاجة المواطن تارة وضعف الموظف تارة أخرى، وازدادت الأصفار لتتحول الجنيهات القليلة إلى آلاف وملايين، وتصبح عبارة «كله ماشى بالفلوس» هى القانون الحاكم فى دولة «مكاتب وشبابيك» الحكومة.
«راشى ومرتشى» ومنظومة «تحمى الجميع».. و«محمد»: «دفعت علشان أخلص ورقى»
مواطنون كثيرون عانوا من الظاهرة، اضطروا فى نهاية الأمر إلى الاستسلام والقبول بسياسة «الأمر الواقع»، أحدهم محمد إبراهيم، الرجل الأربعينى، الذى أشار إلى معاناة الأربع ساعات التى قضاها داخل إحدى المؤسسات الحكومية لإنهاء أوراق رسمية تتعلق بجهة عمله: «كنت عايز أخلص ورق فى التأمينات، وتأخير وزحام وبعد وقت طويل كنت ما بين خيارين؛ أمشى، أو ألجأ للتحايل من خلال أحد الموظفين، وفعلاً عملت كده ودفعت زى ما ناس تانية دفعت، وخلصت ورقى ومشيت»، لم تكن المرة الأولى التى يعانى منها «محمد» بنفس الطريقة، حتى أصبح قضاء خدمة من جهة حكومية من أكثر الأمور التى يضيق بها: «مابحبش أروح مكان حكومى أبداً، لو مش هتدفع هتكره نفسك، وممكن تروح وتيجى كذا مرة علشان ورقة ناقصة أو موظف مش فاضى، لا بيانات وتعليمات معلنة ولا الناس اللى قاعدين على مكاتبهم عايزين يساعدوا حد، إلا من رحم ربى»، حالة مشابهة لآلاف الحالات التى يقابلها مواطنون آخرون فى مصالح وهيئات مختلفة، لكنها لا تعكس إلا صورة واحدة من بين صور عديدة لفساد الجهاز الإدارى، منها: «تسهيل سيطرة بعض الأشخاص على ممتلكات الدولة، استخراج تراخيص لمبانٍ سكنية أو صناعية غير قانونية، إرساء العطاءات على شركات ومؤسسات بعينها وذلك بتعمد تقاضى العمولات، والتهرب أو التخفيض الضريبى من خلال ممارسات غير رسمية».
«طه»: مصر تخوض حرباً ضد حائط فساد ولن ينتهى ما بين يوم وليلة
مكافحة الفساد، بشقيه المالى أو الإدارى، تكون من خلال محورين؛ المحور التشريعى والمحور البشرى، بحسب الدكتور عبدالرحمن طه، خبير الشئون الاقتصادية والدستورية: «تأتى تنمية الجهاز الإدارى عن طريق تغيير وتطوير الإطار التشريعى الحاكم للجهاز الإدارى للدولة، وذلك من خلال إصدار قوانين تقلل حجم المعاملات للوصول للإجراء النهائى مثل قانون الاستثمار الموحد الذى يدشن لفكرة الشباك الواحد مما يقلل تعامل المستثمر مع الموظف فيقل معه احتمالية الفساد ومستوى البيروقراطية الإدارية»، يشير إلى أن المحليات والجهات الخدمية هى الأكثر فساداً على مستوى الجهاز الإدارى للدولة، فبحسبه: «المرافق العامة للدولة مثل الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحى والعيادات الصحية الحكومية هى عصب الفساد فى مصر»، الحل لا يقتصر فقط على الجانب التشريعى من خلال إعداد قانون وإصداره وبدء العمل به، لكنه يرتبط كذلك بالجانب البشرى: «تنمية الإنسان فى الجهاز الإدارى لا تتطلب كورسات وشهادات ودورات تدريبية، بقدر ما تتطلب بالمقام الأول تغييراً للعقلية الإدارية للموظف القائمة على الفساد، التى تتعايش معه ولا تنكره حتى أصبح جزءاً من طبيعة العمل نفسه، متمثلة فى سلوكيات مثل المجاملات والدرج المفتوح والنفاق والخوف من التطوير»، أضاف «طه» أن كل دول العالم التى شهدت تطوراً اقتصادياً وإدارياً شهدت حرباً شرسة ليس ضد الفساد فحسب، ولكن ضد العقلية الإدارية المتحجرة: «إن مصر تخوض حرباً ضد حائط فساد عملى وفكرى صنع على مدى أكثر من أربعين عاماً، لن ينتهى ما بين يوم وليلة».