قبل الاستفتاء على الدستور، تورطت قيادات الإسلام السياسى فى حشد التأييد للدستور على قواعد طائفية. على منصة مناصريهم فى رابعة العدوية وأمام مدينة الإنتاج الإعلامى وفى العديد من برامج الفضائيات، زعم بعضهم بطائفية مريضة أن المسيحيين يمثلون 60 بالمائة من المشاركين فى مليونيات رفض الدستور ومن المعتصمين أمام الاتحادية. واتهم البعض الآخر الكنائس بالترويج لرفض الدستور والسعى لإسقاطه فى الاستفتاء، وبين ثنايا كلمات المنصات النارية ومداخلات الفضائيات خطاب تمييزى ضد المسيحييات والمسيحيين يستكثر عليهم المشاركة فى شأن عام ويتعاطى معهم ككتلة صماء تحركها الكنائس ويتوعدهم إن لم يمتثلوا لإرادة الأغلبية المزعومة.
ولم يكن لمثل هذا النزوع الطائفى والتمييزى إلا أن ينتج لنا فى مرحلتى الاستفتاء الأولى والثانية، خاصة فى بعض محافظات الصعيد، ظواهر إجرامية بغيضة تتناقض بالكامل مع جوهر الديمقراطية والمواطنة المتمثل فى تمكين المواطن من المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات دون قيود أو تهديدات ومن التعبير الحر عن اختياره دون خوف من تبعاته. فقد أكدت تقارير الشبكات المستقلة التى راقبت الاستفتاء أن محافظتى أسيوط (مرحلة أولى) والمنيا (مرحلة ثانية) شهدتا منعا لبعض المواطنات والمواطنين الأقباط من التوجه لمراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم وتهديدات متتالية لهم ولأسرهم. أكدت التقارير أيضاً أن حشد التأييد الشعبى للدستور أدير على أرضية «الجامع مع نعم» و«الكنيسة مع لا»، وهو ما رتب شحنا طائفيا خطيرا.
المسئولية السياسية عن منع بعض الأقباط من المشاركة فى الاستفتاء والشحن الطائفى فى بعض محافظات الصعيد يتحملها بالكامل من ربط بزيف وبحس وطنى غائب بين تأييد الدستور وانتماء دينى بعينه وبين رفضه وانتماء دينى آخر، من ربط فى كلمات المنصات وبزيف أيضاً بين معارضة سياسات وقرارات رئيس الجمهورية وبين انتماء دينى وتجاهل أن المواقف السياسية واختيارات المواطن بشأنها لا ينبغى لانتماء دينى أن يحركها أو أن يسمح باختزالها إليه إن نحن أردنا بناء دولة الديمقراطية ومجتمع مواطنة الحقوق المتساوية. أما المسئولية القانونية فتتحملها أجهزة الدولة التى كان يتعين عليها الحيلولة دون منع بعض الأقباط من التصويت (أجهزة الأمن) وواجبها الآن التحقيق فى هذه التجاوزات وتداعياتها، كبيرة كانت أو صغيرة، على نتيجة الاستفتاء (اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء).
متى نتخلص من الطائفية المريضة ومتى نمتنع عن إقحام الدين والانتماء الدينى فى السياسة واختياراتها؟ متى تستنيرين يا مصر؟