بروفايل| بن الذيب.. المارد الشعري ينال العفو الأميري
الشاعر محمد بن الذيب
مواقفه الصارمة، كلماته القوية الصادمة حينا الرقيقة الهادئة حينا آخرا، حصدت الإعجاب من جميع الأذواق، جعلته يمتلك قاعدة شعبية ضخمة، تنتظر بفارغ الصبر "المارد الشعري" الذي لا يمتلك سواها، وقلمه لتدوين كلماته التي جعلت منه فارسا مغوارا يخشاه "النظام"، فما إن خط أبياتا تهاجمه بضراوة حتى وجد قضبان السجن تقطعها، والقيود تطبق على يديه لتعيقه عنها.
الشاعر محمد بن الذيب العجمي.. المولود في 24 ديسمبر 1975، بقطر، يمتلك باعا طويلا في الساحة الشعرية بكتاباته المميزة لقصائد "ابتساماتي، أوص ولا أسمع نفس، الطحالب، غليص"، عُرف بجزالة كلماته وفصاحتها، وقدرته على الرد بقوة على الشعراء، فلقب من جماهيره بـ"مارد الشعر" و"إمبراطور الشعر"، لم يتوقف عن نهل العلم في موطنه، وإنما تتطلع للإبحار في علوم اللغة العربية، فاختار دراستها بـ"أرض الكنانة" وأمضى في مصر 4 أعوام إلى أن حصل على شهادة قسم اللغة العربية لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ليشهد خلال تلك الفترة أوج ثورات الربيع العربي.
امتد نبض ثورة الحرية بتونس الخضراء إلى قلب الشاعر الأربعيني، عام 2011، واشعل لهيب وطنيته، فخط بقلمه أبيات قصيدة حملت اسم "الياسمين"، ليعبر فيها عن سعادته وحبه للثورة الشعبية، قائلا "لابكينا بن علـي ولا بكينـا عصـره.. نعتبرهـا لحظـةٍ بالعمـر تاريخيـة.. دكْتاتوريـة نظـام القمـع واستبـداده.. أعلنت تونس عليه الثـورة الشعبيـة".
لم يكتف "المارد الشعري" بالتعبير عن سعادته بثورة الياسمين، وإنما أعرب عن استيائه من أحوال بلاده في عبارات تلميحية، ومدينا للأنظمة العربية، بقوله "آه عقبال البلاد اللي جهـل حاكمهـا.. يحسب إن العزّ بالقـوات الأمريكيـة.. وآه عقبال البلاد اللي شعَبْهـا جايـع.. والحكومة تفتخر في طفـرة الماليـة.. وآه عقبال النظام القمعـي المتـوارث.. لا متى وأنتم عبيـد النزعـة الذاتيـة.. رددوا والصوت واحد للمصير الواحـد.. كلنا تونس بوجـه النخبـة القمعيـة.. الحـكومات العــربيـة ومـن يحكمهـا.. كلهـم بـلا استثنـاء حَراميـة".
فجرت تلك الكلمات غضبا شرسا طالت نيرانه الشاعر الأربعيني، بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم القطري وإهانة الأمير في 16 نوفمبر 2011، ونال حكمه النهائي من محكمة التمييز بالسجن 15 عاما، ليقصف قلمه وينهي كلماته، ويقصيه بعيدا عن زوجته وأطفاله الثلاثة "حمدان، هند، فزاع"، وتعيقه عن تنفيذ أحلامه وأمنياته بأن يلحق وطنه بركب ثورات الربيع العربي، ما تسبب في استنكارات دولية وشجب واسع المدى الذين اعتبروه اعتداء صارخا على حرية الرأي والتعبير، وضرورة الإفراج عنه، حيث أعربت المفوضة السامية لحقوق الإنسان وقتها عن "القلق البالغ" بشأن الحكم، ووصفته العفو الدولية بـ"الحكم الفاضح"، ورفضته بشدة اللجنة الدولية، كما قال نجيب النعيمي وزير العدل القطري السابق إن الحكم "إخفاق للعدالة".
وبعد أن كان حديث الساعة منذ 5 أعوام لجرأته في نقد نظام الحكم القطري، توارى عن الأنظار تدريجيا، إلا أن ذويه لم يتمكنوا من إدارة ظهورهم له، فسعوا بكل الطرق للإفراج عنه، إلى أن تمكن شيخ شمل قبيلة العجمان خالد بن راكان العجمي بالشفاعة له لدى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الذي أصدر عفوا أميريا عن بن الذيب، بحسب ما كشفه عبد الله العذبة رئيس تحرير جريدة "العرب" القطرية، في تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "توتير"، اليوم.
حكم الإفراج، سرعان ما حصد رواجا كبيرا على صفحات التواصل الاجتماعي الذي أصبح الأكثر تداولا بالخليج، هاشتاج "الإفراج عن محمد بن الذيب"، وشهد إقبالا من العديد من الشخصيات العامة بالبلاد.