أ.د. على السلمى يكتب: بيان الرئيس وتعديل الحكومة.. . استمرار لنهج النظام القديم
كان البيان الأول لرئيس الجمهورية أمام مجلس الشورى يوم السبت الماضى مخيباً للآمال، فقد جاء باهتاً وتقليدياً ولم يضف جديداً مما كان ينتظره الناس من بيان فى وقت تلتهب فيه الأمة بانقسامات سببها إعلان «غير دستورى» بما أدى إليه من ثورة القوى السياسية معترضين على تحصين قرارات رئيس الجمهورية وغل يد القضاء عن النظر فى أى طعون ضد تلك القرارات، وثورة السلطة القضائية ضد ذلك التغول من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية. لم يتعرض البيان الرئاسى لقضايا التمزق والانقسام الوطنى الذى نشأ نتيجة الإصرار على تشكيل مطعون عليه للجمعية التأسيسية للدستور وعدم الوفاء بوعد الرئيس بالسعى لإعادة التوازن إلى الجمعية حتى تكون أكثر تمثيلاً وتعبيراً عن كل أطياف المجتمع، كما لم يتعرض لأسباب السعى لإحداث التوافق المجتمعى حول مشروع الدستور والمسارعة إلى طرحه للاستفتاء الشعبى. كذلك كرر الرئيس دعوة الأحزاب والقوى السياسية للمشاركة فى حوار مرفوض من الكافة، حيث لا معنى لحوار لا نتيجة له بعد إقرار الدستور ووضع القوى الرافضة له أمام الأمر الواقع.
لم يتعرض البيان الرئاسى للأسباب التى حدت بصندوق النقد الدولى إلى تأجيل عرض اتفاقية القرض على مجلس إدارة الصندوق، ولا أسباب تحذير الاتحاد الأوروبى بحجب معوناته الاقتصادية لمصر، ولا سبب امتناع ألمانيا عن إسقاط ديونها لدى مصر!
وجرياً على نهج نظام مبارك فى عدم إشراك الشعب فى قرارات اختيار رؤساء وزرائه ومفاجأة المواطنين بأسماء وشخصيات رؤساء وزراء إما مرفوضة شعبياً أو غير معروف قدراتها، قرر الرئيس مرسى إعادة تكليف د.هشام قنديل بإجراء تعديلات محدودة فى حكومته التى لم تكن محلاً للتقدير الشعبى والتى لم تحقق أى نجاح ملحوظ فى الاقتراب من القضايا الشائكة التى تعانى مصر منها اقتصادياً واجتماعياً فضلاً عن المآزق السياسية، إذ على مدار فترة وجودها منذ تشكيلها فى الثانى من أغسطس 2012 وقعت أحداث جسام على الساحة السياسية والوطنية لم يكن لرئيس الوزراء ولا لحكومته دور فى التصدى لها، ناهيك عن مجرد إشعار الشعب بأن حكومته متابعة لتلك الأحداث، فبعد ثلاثة أيام من تشكيلها وقع الحادث الإجرامى بالاعتداء على الجنود المصريين فى رفح الذى راح ضحيته ستة عشر من أبناء مصر لحظة تناولهم وجبة الإفطار، ورغم أن رئيس الجمهورية تصدى بنفسه لقيادة ما أطلق عليه «العملية نسر» لمعرفة الذين قاموا بهذه العملية الإجرامية -والتى لم نعلم أى شىء عنها حتى الآن- فإن حكومة الدكتور قنديل لم تحرك ساكناً فى مواجهة تلك الجريمة سوى تعهده الشهير بالرد السريع على هذه الجريمة والذى لم يتحقق حتى الآن!
وقد كان المنتظر من الحكومة أن تشرع منذ اليوم الأول لتشكيلها فى وضع البرنامج الانتخابى لرئيس الجمهورية موضع التنفيذ باعتبارها أول حكومة فى الجمهورية الثانية، ولكنها انصرفت إلى محاولة تحقيق إنجازات وهمية فى إطار خطة المائة يوم التى تورط رئيس الجمهورية -من دون دراسة للواقع المصرى ومشكلاته- فى الالتزام بحل خمس مشكلات هى: الخبز، الوقود، المرور، الطاقة، والأمن. وقد انطلقت حكومة د.قنديل إلى محاولة تسجيل أى إنجاز فى تلك المشكلات المزمنة والمتراكمة دون تخطيط أو دراسة، فجاءت الإنجازات هامشية واستمرت أسباب المشكلات ومظاهر معاناة الشعب دون حل ولا مواجهة حاسمة.
ولم نسمع رأى رئيس الحكومة فى المآزق السياسية التى عصفت بمصر فى أعقاب قرار رئيس الجمهورية إقالة النائب العام السابق ونقله سفيراً لمصر لدى دولة الفاتيكان ثم التراجع عن ذلك القرار، ثم إصدار الإعلان «الدستورى» فى 21 نوفمبر 2011 وما أثاره من أزمة تصدى لها القضاة ثم تعليق جلسات المحاكم، وثورة أعضاء النيابة العامة على أسلوب تعيين النائب العام الجديد -والتى ما زالت مستمرة إلى الآن- بعد تراجعه عن استقالته التى أعلنها وطلبه من المجلس الأعلى للقضاء عودته إلى عمله القضائى. وفى جميع تلك الأزمات -التى لا تزال آثارها باقية وتتفاعل فى المشهد السياسى- كانت حكومة د.قنديل غائبة ولم تشارك لا بالقول ولا بالفعل فى محاولة أن تكون فاعلة فى المجال السياسى كما كان الحال مع حكومات مبارك فى النظام القديم!
وجاء تكليف رئيس الجمهورية للدكتور قنديل بالاستمرار كرئيس للحكومة وإجراء بعض تعديلات على تشكيلها ليمثل صدمة جديدة على المستويين الشعبى والسياسى ومظهراً آخر على عدم وفائه بتعهده الذى التزم به فى إطار موافقته على «اتفاق فيرمونت» الذى أبرم فى 22 يونيو 2012 والذى كان سبيلاً لضمان مؤازرة عدد من ممثلى القوى الوطنية والنشطاء الذين شكلوا ما سمى «الجبهة الوطنية الثورية» فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة ضد المنافس الفريق أحمد شفيق. وقد نص اتفاقهم مع الدكتور مرسى على عدة بنود يلتزم بها الرئيس -حال فوزه بالمنصب الرئاسى- من بينها تشكيل حكومة يرأسها شخصية وطنية مستقلة تحظى بالاحترام والقبول الشعبى. وكان عدم تنفيذ رئيس الجمهورية التزامه مثار استياء أعضاء الجبهة الذين اتهموا مؤسسة الرئاسة بعدم الالتزام بالشفافية والوضوح فيما يتعلق باختيار رئيس الحكومة الجديدة، وعبر أحد أعضائها «لقد جاء اختيار هشام قنديل رئيساً للحكومة مثيراً لدهشتنا جميعاً، إنه رجل محترم لكنه يفتقر للمعايير التى تضمنها اتفاقنا مع الرئيس».
وقد افتقر التشكيل الأول لحكومة د.قنديل إلى وجود مجموعة وزارية اقتصادية متناسقة تتمتع بالكفاء والخبرة. وكان هذا القصور سبباً فى تأخر الحكومة فى إعداد برنامج متكامل للإصلاح الاقتصادى والمالى الذى كان شرطاً لاستئناف الاتصالات مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض للمساهمة فى علاج الفجوة التمويلية التى يعانى منها الاقتصاد الوطنى، وفيما بعد كان غياب تلك المجموعة الوزارية الاقتصادية مصدراً للهجوم على الحكومة من جانب حزب الرئيس -الحرية والعدالة- واتهامها بخذلان البرنامج الإصلاحى للدكتور مرسى!
ولعلنا نستعيد أسباب تقدم الدكتور محمد محسوب باستقالته من الحكومة والتى أجملها فى «وإذ توصلت لنتيجة قاطعة مؤداها أن كثيراً من السياسات والاجتهادات تتناقض مع قناعاتى الشخصية، بل ولا أراها معبرة عن طموحات شعبنا بعد ثورة هائلة طاهرة دفع لأجل نجاحها الغالى والنفيس»، كذلك أُعلن عن استقالة المهندس هانى محمود وزير الاتصالات لاقتناعه بعدم القدرة على التأقلم مع المناخ السائد الذى لا يشجع على الإنجاز، وقد سبقهما إلى الاستقالة الدكتور المتينى وزير النقل عقب مأساة مصرع خمسين طفلاً فى حاث تصادم قطار أسيوط مع حافلة مدارس!
إن قرار الرئيس باستمرار حكومة أثبتت عدم قدرتها على تقديم رؤية متطورة لحل مشكلات الوطن وتقديم برنامج غير تقليدى لاقتحامها، ومن ثم لا يجدى تعديل جزئى للحكومة، بل الأجدى تغيير الحكومة تغييراً شاملاً يشمل -إلى جانب طرح شخصيات وطنية مستقلة- أن تقوم تلك الحكومة الجديدة على تنفيذ سياسات متطورة غير تقليدية لتحقيق تنمية وطنية شاملة فى ضوء رؤية شاملة للمستقبل المصرى، وأن تجمع تلك الحكومة كل الخبرات والكفاءات الوطنية وعدم الانحصار فى خندق واحد يمثله حزب الرئيس!